أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات مغاربيات خليجيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

مستقبل الوظائف


سلامة الدرعاوي

مستقبل الوظائف

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

التحولات العالمية السريعة التي يشهدها سوق العمل، تؤكد ضرورة أن تتهيأ المجتمعات، وفي مقدمتها الأردن، لتحديات وتغيرات مستقبل الوظائف، لذلك فإن تقرير غرفة صناعة الأردن، المستند إلى مؤشرات المنتدى الاقتصادي العالمي، لا يكتفي برصد هذه التغيرات بل يدق ناقوس الخطر حول الحاجة الملحة لإعادة بناء منظومة التعليم والتدريب بما يتماشى مع المهارات المطلوبة في المستقبل، خصوصًا في ظل تسارع تطورات الذكاء الاصطناعي وسهولة الوصول إلى أدواته.

التحولات التقنية، والتحول الأخضر، والتغيرات الديموغرافية، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والتفكك الجيوسياسي كلها عوامل تُعيد رسم خريطة الوظائف على مستوى العالم، حيث تشير بيانات المنتدى العالمي إلى أن أكثر من 80 % من المؤسسات ستتأثر بهذه التغيرات بحلول 2030، مما يعني أن الاقتصادات التي تتجاهل هذا التحول أو تتباطأ في التعامل معه، ستخسر فرصًا ثمينة وستشهد تراجعا في الإنتاجية وفرص العمل النوعية.

في الأردن، فإن التحدي لا يتعلق فقط بفقدان بعض الوظائف التقليدية نتيجة الأتمتة والتحول الرقمي، بل بمدى قدرتنا على خلق بيئة تعليمية وتدريبية تُمكّن الفرد من اللحاق بهذا التغير لا أن يكون ضحيته، فالتقرير التحليلي لصناعة الأردن يُسلّط الضوء على هذه الفجوة.

دمج المهارات الرقمية في التعليم ضرورة إستراتيجية، خاصة وأن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت متاحة للجميع، وسهولة استخدامها تعني أن الفرق لن يكون في الوصول إليها، بل في القدرة على توظيفها بفعالية، وهذا لن يتحقق دون تأسيس مبكر في التعليم المدرسي والجامعي، إضافة إلى التدريب المهني المستمر للعاملين.

التقرير يوصي بوضوح بضرورة تعزيز الشراكة بين القطاع الصناعي والمؤسسات التعليمية، وهي توصية لا بد من التعامل معها بجدية، فالصناعة تعرف ما تحتاجه، والتعليم يعرف كيف يُدرّس، والجمع بين الاثنين هو الضامن الوحيد لإنتاج خريجين جاهزين فعلاً لسوق العمل، وليسوا مجرد باحثين عن فرصة في اقتصاد لا يعرف كيف يوظفهم.

من جهته، أظهر المنتدى الاقتصادي الأردني في ورقة "الوظائف المستحدثة في المملكة 2024" أن هناك جهودًا حقيقية تُبذل لخلق فرص عمل جديدة، حيث تم استحداث ما يقارب 96,421 وظيفة جديدة، ولكن رغم هذا الرقم الإيجابي، فإن أثره على معدل البطالة لا يزال محدودًا، حيث انخفضت البطالة من 22 % إلى 21.4 % فقط، وهو ما يكشف أن وتيرة خلق الوظائف لا تزال أبطأ من وتيرة دخول الشباب إلى سوق العمل.

القطاع الخاص كان مسؤولاً عن 75.7 % من هذه الفرص الجديدة، وهو ما يعكس قدرته الأكبر على توليد الوظائف مقارنة بالقطاع العام، لكن التحدي يبقى في نوعية هذه الوظائف: هل تواكب التحولات الرقمية؟ هل توفر الاستقرار والتطور المهني؟ وهل تستوعب خريجي التخصصات الجديدة التي يُفترض أن تتماشى مع سوق العمل المتغير؟

القطاعات التي تصدرت توليد الوظائف، مثل الصناعات التحويلية وتجارة الجُملة والتعليم والصحة، تعكس توجهًا جيدًا نحو تنويع مصادر النمو، لكن استمرار تركز أكثر من نصف هذه الوظائف في العاصمة عمان، مقابل نسب محدودة في المحافظات الأخرى، يطرح تساؤلات حول عدالة توزيع الفرص ومدى استجابة السياسات لتفاوتات التنمية المحلية.

الاستعداد لمستقبل الوظائف لا يعني فقط استحداث فرص جديدة، بل ضمان أن تكون هذه الفرص مستدامة، متماشية مع التغيرات التقنية والبيئية، وقادرة على الصمود أمام المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، وهذا لن يحدث إلا باستثمار جاد في رأس المال البشري، وتبني ثقافة التعلم المستمر، وربط التعليم بالإنتاج، والمهارة بالوظيفة، والتكنولوجيا بالتعليم.

الأدوات متوفرة، والفرص موجودة، والذكاء الاصطناعي لن ينتظر، وعلينا أن نتحرك بسرعة، لا فقط للحاق بالمستقبل، بل لصناعته.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ