ها هِيَ المَدارس تَستأنِف نَشاطَهَا بَعدَ فَترةٍ مِنَ الهُدوءِ، كَأَنَّهَا تَأخُذ نَفسًا جَديدًا. الهَواء مَليءٌ بِرائحةِ الأقلام الحَديثَة، صَفَحاتِ الكُتُب، وَعِطرِ دَفاتِرِ المُلاحظات، بَينَما تَتواجَدُ الحَقائبُ على ظُهورِ الأَطفال كَرُفَقاءٍ فِي رِحْلَةٍ طَويلَةٍ نَحوَ التَّعلُّمِ والاكتشاف. كُلُّ صَباحٍ فِي هَذا المَوسِم يَبْدُو كَأَنَّهُ انطِلاقَةُ مُغامَرَةٍ، رِحْلَةٌ مَلِيئَةٌ بِالمُفاجآت، الضَّحَكات، الأَسئِلَة، وَالقِصَصِ الَّتِي تَنتَظِر أَنْ تُروى.

عَلى الأَرصِفَة، يَرْتَفِعُ صَوتُ الأَطفال وَهُم يَركُضُونَ فِي سِباقٍ مَعَ الرِّياح، يَلْوِحُ البَعْضُ لِأصدقائِهِم مِن بَعيدٍ، وَآخَرُونَ يَمْسِكُونَ بِأَيَادِي إِخْوَتِهِم الصِّغار، يُدْعِمُونَهُمْ وَيُشْعِرُونَهُمْ بِالأَمَان. الآباءُ وَالأُمَّهَات يُشاهِدُونَ بِابْتِسامَةٍ تَجْمَعُ بَينَ الفَرَحِ وَالفَخر، أَثناءَ وَداعِهِم صِغارَهُم نَحوَ عالَمٍ مَلِيءٍ بِالتَّحدِّيَاتِ وَالفُرَص. عَلَى رَصِيفِ المَدْرَسَة، يَقِفُ المُعَلِّمُونَ الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بُذورَ المَعرِفَة فِي عُقولِ الأَطفال، بِابْتِسَامَاتٍ دَافِئَةٍ وَأَعْيُنٍ تَتَلألأُ بِالأَمَل، جاهِزِينَ لِنَشرِ المَعرِفَة وَصِنَاعَةِ الذِّكرَيَات.

عِند دُخولِ الفُصول، تَتَفَتَّحُ الأَعْيُن عَلَى أَلوانِ الكُتُب وَاللَّوحات، وَعَلَى دَفاتِرٍ مَمْلُوءَةٍ بِخُطُوطٍ تَنْتَظِر أَنْ تُصْبِحَ قِصَصًا، مُعادَلَاتٍ، وَأَحْلَامًا صَغيرَةً تَتَشَكَّلُ يَومًا بَعْدَ يَوم. كُلُّ رُكْنٍ دَاخِلَ الفَصْلِ يَرْوِي حِكايةً، كُلُّ كُرْسِي يَحتَوِي قِصَّةَ طِفلٍ يَسعَى لاكتشافِ نَفْسِهِ، وَكُلُّ نافِذَة تُطِلُّ عَلَى السَّماء تَنبُض وَعْدًا جَدِيدًا لِمُغامَرَةٍ قادِمَة. الأَطفالُ يَتَبَادَلُونَ التَّحيات، يَضحَكُون، يُشارِكُونَ أَفكارَهُم، وَيَرْفَعُونَ أَسئِلَةً تَفْتَحُ أَمامَهُم عَوَالِم وَاسِعَةً مِنَ الخَيَالِ وَالتَّفْكِير، حَتَّى يَبْدُو الفَصْل كَأَنَّهُ عالَمٌ صَغيرٌ يُعَكِس الحَياة بِكُلِّ تَفاصيلِها.

عَودةُ المَدارس لَيسَت مُجَرَّد رُوتين يَومي؛ بَل هِيَ تَجسِيدٌ لِلبِدَايَاتِ الجَدِيدَة، فُرْصَةٌ لِتَصحيحِ الأَخطاء، لِتَعَلُّمِ مَهاراتٍ جَدِيدَة، وَلِرَسْمِ أَحْلامٍ أَكبَر. إِنَّها دَرْسٌ لَنَا جَميعًا حَولَ الصَّبر وَالمُثابَرَة، الشَّغَفِ بِمَا نُحِب، وَأَهَمِّيَّةِ السَّعْيِ نَحوَ المَعْرِفَة. تَذكِيرٌ بِأَنَّ الحَياة هِيَ مَدْرَسَةٌ كَبِيرَة، وَأَنَّ كُلَّ يَومٍ يَحْمِل دَرْسًا، وَكُلُّ تَحدٍّ فُرْصَةٌ لِلتَّطَوُّر، وَكُلُّ لَحْظَةٍ فُرْصَةٌ لِصُنْعِ المُستَقبَل.

ومَع كُلِّ صَباحٍ جَدِيد، وَكُلِّ خُطوَةٍ نَحوَ الفُصول، يَتَجَدَّدُ الأَمَل، وَتَزدهِرُ الأَحلام، وَيَكتَشِفُ الأَطفالُ أَنَّ المَعرِفَة لَيسَت مُجَرَّدَ كَلِماتٍ عَلَى صَفَحاتِ الكُتُب، بَل حَياةً يَعيشونها وَيُشَكِّلُونَ مِنها قِصَصَهُم الخاصَّة. تَعلَّمَ المَدرَسَةُ الصَّبر، الاحترام، الفَهم، العَمَلَ الجَماعِي، وَأَهَمِّيَّةَ السَّعْيِ نَحوَ الأهْداف، وَكُلُّ دَرْسٍ فيها أَساسٌ لِبِناءِ شَخصِيَّاتِهم وَمُستَقبَلِهم.

فَلنَحتفِل بِعَودةِ المَدارس، وَلِنُعَبِّر عن استِقْبَالِ هَذا الفَصْلِ الجَدِيد بِقُلُوبٍ مَلِيئَةٍ بِالأَمَل وَالعَزِيمَة. لِنَجعَل مِن كُلِّ يَومٍ فُرْصَةً جَدِيدَةً لِلتَّعلُّم، وَمِن كُلِّ تَحدٍّ دَرْسًا، وَمِن كُلِّ لَحْظَةٍ فُرْصَةً لِتَطوِيرِ النَّفْس. المَدرَسَة لَيسَت مُجَرَّدَ مَكانٍ لِلدِّراسَة، بَل هِيَ فَضاءٌ تَتَفَتَّحُ فيهِ الأَحلام، وَتَنمو فيهِ الشَّخصِيَّات، حَيثُ تُخَطُّ فيهِ مَساراتُ المُستَقبَل. لِنَفْتَح أَبْوابَ قُلُوبِنا قَبْلَ فُصولِ الدِّراسَة، وَلِنَجعَل هَذا العَامِ الدِّراسِي فَترةً مَلِيئَةً بِالنَّجاح، التَّفاؤُل، وَالإبداع، فَترةً تُصْبِحُ فيها كُلُّ لَحْظَةٍ ذِكرَى لا تُنْسَى، وَكُلُّ يَومٍ قِصَّةً تُروى.