على أعتاب العودة إلى المدارس، يتكرر السؤال:
هل بقي للتربية مكان وسط هذا الطوفان من الشاشات والذكاء الاصطناعي وسرعة الحياة؟هل ما زلنا قادرين أن نُهذّب أبناءنا كما نعلّمهم، ونغرس الأدب قبل المعلومة، والهيبة قبل الشهادة؟ابني اليوم يبدأ مرحلته الأساسية… ومع الحقيبة والقرطاسية، أحمل همًّا آخر:كيف أعلّمه أن الرحمة لا تعني التسيّب، وأن الحزم لا يعني القسوة؟هنا أستحضر ميراث الجدّات:“لا تحزن على الصبيان إن ضُربوا،فالضرب يفنى… ويبقى العلم والأدب.الضرب ينفعهم، والعلم يرفعهم،ولولا المخافة… ما قرأوا وما كتبوا.”كان الضرب قديمًا أداةً أخيرة، لا منهجًا.لكنه ظلّ رمزًا لهيبة التربية، تلك الهيبة التي جعلت جيلًا كاملًا يحترم معلّمه ويهاب الكلمة أكثر من العصا.أذكر أن والدي سلّمني للمدير قائلًا:“إلك اللحم، ولنا العظم.”لم تكن قسوة، بل ثقة، وتفويضًا نبيلًا لمعنى أن المدرسة بيت، والمعلم راعٍ، والابن أمانة لا عبئًا.لكننا اليوم انتقلنا من نقيضٍ إلى نقيض:لا ضرب، ولا حزم، ولا هيبة…جيلٌ يرفع صوته على أبيه، ويكسر قلم معلّمه، ويظنّ أن الأدب خيار شخصي لا قاعدة حياة.التربية ليست عنفًا، لكنها ليست دلالًا فارغًا أيضًا.فالطفل الذي لم يسمع “لا” في صغره، سيسمعها كثيرًا في كبره، لكن بصوت الحياة القاسية.نريد جيلًا يُدرك أن الأخلاق تُغرس بالنظرة الحازمة قبل الكلمة الناعمة، وأن التربية أحيانًا تُوجِع… كي لا تُهزم لاحقًا.فالبيت الذي لا يُسمع فيه “لا”…قد لا يُسمع فيه لاحقًا صوت الاحترام.التربية حبّ، نعم… لكن الحب بلا حزم يُخرج أبناءً بلا هيبة، وبيوتًا بلا رجال.