أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الشياب يكتب: هل يختفي العداد الكهربائي من بيوت الأردنيين؟ استشراف لمستقبل الطاقة في الأردن


الدكتور المهندس عطا الشياب

الشياب يكتب: هل يختفي العداد الكهربائي من بيوت الأردنيين؟ استشراف لمستقبل الطاقة في الأردن

مدار الساعة ـ

لم يعد قطاع الطاقة في الأردن يعيش وضعًا اعتياديًا، بل يقف اليوم عند مفترق طرق استراتيجي، مع صدور قانون الكهرباء الجديد، وتشديد العقوبات، وارتفاع التعرفة الكهربائية، إضافة إلى القيود المفروضة على تركيب أنظمة الطاقة المتجددة، هذه العوامل، إلى جانب التغيرات المناخية العالمية وتزايد الحاجة إلى طاقة نظيفة ومستدامة، وضعت المواطن والمستثمر الأردني أمام معادلة معقدة: كلفة مرتفعة، وتعقيدات تنظيمية، وبدائل تقنية أصبحت في المتناول.

النتيجة الطبيعية لهذه المعادلة أن يتجه المستهلك نحو حلول هجينة مستقلة (ألواح شمسية، بطاريات، مولدات كهربائية) بعيدًا عن الشبكة الوطنية، ومع الانخفاض المستمر في كلفة هذه التقنيات، يصبح العداد الكهربائي التقليدي خيارًا أقل جاذبية وربما عبئًا إضافيًا.

لكن هذا التحول يطرح أسئلة جوهرية:

• هل يخدم الوطن أن يصبح المواطن معزولًا عن الشبكة الوطنية؟

• هل تستطيع شركات الكهرباء البقاء إذا فقدت قاعدة مستهلكيها؟

• وهل يقود هذا المسار إلى تنمية مستدامة، أم إلى فوضى طاقية تفتقر إلى التكامل والتخطيط؟

الخطر الحقيقي لا يكمن في زوال شركات الكهرباء وحدها، بل في تهديد منظومة الأمن الطاقي الوطني، فالتوسع غير المنظم في الأنظمة المستقلة قد يُضعف قدرة الدولة على إدارة الأحمال بكفاءة، ويحرم الاقتصاد من استغلال أمثل للموارد، ويُعمّق فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات.

ومع ذلك، يمكن قراءة هذا التحول بوصفه فرصة، إذا أُحسن استثماره عبر سياسات أكثر ديناميكية ومرونة، تقوم على:

1. تطوير التشريعات بما يشجع على ربط الأنظمة الهجينة بالشبكة بدل عزلها، لضمان مصلحة المواطن والدولة معًا.

2. تحفيز الاستثمار في تخزين الطاقة (البطاريات)، باعتبارها مستقبل القطاع عالميًا.

3. إعادة تعريف دور شركات الكهرباء لتصبح شركات خدمات طاقية توفر حلولًا شاملة (إدارة أحمال، صيانة، أنظمة ذكية) بدل الاعتماد على بيع الكيلوواط/ساعة.

4. إعادة هيكلة التعرفة لتكون أكثر توازنًا، فتضمن استدامة الشركات وتُبقي المواطن مرتبطًا بالشبكة الوطنية.

وفي لغة الاستشراف، يمكن القول إن المستقبل لن يكون حكراً على شركات الكهرباء بشكلها التقليدي، فإما أن تتحول وتتكيف مع هذه التغيرات، أو أن مصيرها سيكون الزوال، لتحل مكانها نماذج أكثر مرونة واستدامة.

إن مستقبل الطاقة في الأردن مرهون بقدرة المشرّع والمنظم وصانع القرار على التكيّف مع هذه المتغيرات المتسارعة، فإذا ظلت البيئة السياسية والتنظيمية جامدة، فسيتجه المواطن تلقائيًا نحو البديل الأرخص والأبسط، أما إذا استبقت الدولة هذا التحول بتشريعات ذكية ورؤية استشرافية، فيمكن للأردن أن يتحول من مستهلك يعتمد على الخارج إلى منتج ذكي للطاقة المستدامة، يواكب التحولات العالمية ويؤسس لمستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا.

مدار الساعة ـ