يا صاحبي وصاحب هذه المقولة اسمحلي أن اتحدث معك بلغة قد تفهمها، فمقولة (لكل حادثة حديث) هي ليست بلغة سياسة ولا لغة حوار ولا لحرب أو لإظهار قوة ، وإنما تستخدم لأجل تجارة أو طلب عروس أو شيء مجهول طارئ رباني لا نعرف كيف نتعامل معه ويخضع للقضاء والقدر والقسمة والنصيب .
ولأستزيد بالشرح حول هذا الموضوع واضرب أمثلة عليه ، يا صاحب هذه المقولة فإنّ القبيلة التي تنام ملء جفونها، وتغفل عن عدوّها، لا تلبث أن تستيقظ فإذا حلالها منهوب، وبيوتها مهدومة، ونساؤها وأطفالها في مهبّ الخوف والضياع.فالقبيلة لا قوام لها إلا برجالها، ولا هيبة لها إلا بسيوفها وخيلها، ولا صوت لها في المجالس إلا بشعرائها الذين يرفعون ذكرها، ويزرعون الرهبة في قلوب من تسوّل له نفسه الاعتداء عليها.وكذلك الدول، فإنها إذا أرادت البقاء كان عليها أن تتجهز كما تتجهز القبيلة، بجيشٍ يحميها، وسلاحٍ يذود عنها، وحلفاء يشدّون أزرها، وإعلامٍ يرفع معنويات شعبها ويبعث في نفوس أعدائها الخوف من مغبة الاقتراب منها.فالعدوّ إن علم أنك ضعيف أطمعه ضعفك، وإن وجدك قويًّا ردعته هيبتك، فكفّ شرّه عنك.أما أن نقول: "لكل حادثة حديث"، فذلك كلام يصلح في مجالس المسامرة، لا في مواطن الخطر. فالموقف الحقّ أن نقول قولا يُرهب، أو نصمت صمتا يوجس في قلب الخصم ريبة.ألا ترى أنّ الأسد، وإن خارت قواه، يكشر عن أنيابه فيحسبه العدوّ شديدًا، والذئب وإن هرم، يزأر فتظنّه الجبال ما زال في عنفوانه؟فإمّا أن نزأر فنُخيف، وإمّا أن نصمت صمتًا فيه مهابة، ولا مكان بين هذا وذاك للتهاون أو التواكل.
المجالي يكتب: 'لكل حادثة حديث'.. لماذا؟
مدار الساعة ـ