بات مثيرا جدا هذا الذي نراه، فإسرائيل تتصل بكل المكونات السورية، من الحكومة الرسمية إلى من يعارضون حكومة دمشق.
هذا لافت للانتباه، حين نرى بعض مكونات جنوب سورية ترفع أعلام إسرائيل وتستغيث بإسرائيل لحمايتها من هجمات القوات الحكومية، وفي الوقت ذاته تلتقي الحكومة السورية القادمة من خلفية إسلامية متشددة بالإسرائيليين أيضا، وكأن الكل يبحث عن تل أبيب.وزير الخارجية السوري يلتقي بوفد إسرائيلي بشكل مباشر في باريس والتباحث يجري حول قضايا عدة تخص استقرار سورية، في عز الحرب على غزة، ويسبق ذلك اتصالات ولقاءات في أذربيجان، وبالتأكيد هناك اتصالات سرية، ولا أحد يعلق.الكل يسكت لأن التطبيع إذا جاء من جانب من أحبته الجماهير يكون حلالا، ولان الجماهير تؤيد النظام الحالي، وتكره النظام السابق، يجدون له عذرا حاليا، فهو مضطر، وهناك فقه الواقع، والضرورة، والتكتيك وما سيليهم أيضا، وان علينا أن نصبر قليلا حتى نفهم.بالمقابل هناك مكونات سورية متعددة وتحت وطأة ما تراه تعسف الحكومة الحالية، تستجير بإسرائيل علنا والبعض يغازلها جهارا، وربما البعض يتصل بها بوسائل مختلفة، وفي هذه الحالة تنهمر الشتائم والإساءات بحق هذه المكونات، لان التطبيع أو التواصل هنا يبدو حراما، فيما حالة الحكومة المضطرة يبدو حلالا، وكلنا يعرف أن المبدأ لا يتجزأ، فلا يوجد تكتيك في المبدأ على ما هو مفترض.الذي نراه دون أي تجن على أحد أن الكل يفتح بوابات لإسرائيل في سورية تحت ذرائع مختلفة، لكن المشترك هو هذا التمدد الإسرائيلي.تجد ذات الانتقائية في الحكم على الممارسات السياسية في حالات ثانية، ولان العرب يهتفون لاردوغان يسكتون على تدفق البضائع والسفن من تركيا إلى إسرائيل، ولا ينتقدونها بكلمة، فالعرب يحبون ويكرهون، وهذا يفسر أن تركيا محصنة من نقد اللسان العربي، حتى لو سكتت على إسرائيل، أو مررت مصالح تجارية أو عسكرية، واكتفت بالنقد العاطفي واللغوي لإرضاء المنطقة، وهذه مفارقة تشابه سورية، حيث هناك شعار إسلامي في دمشق وأنقرة، وللغرابة هناك ممارسات تطبيعية مع إسرائيل لا ينتقدها أحد، وكأنها مبررة.تجد دولا عربية ثانية بدون شعارات إسلامية علاقاتها مع إسرائيل أقل بكثير من تركيا، وقد ترتكب أخطاء، لكنهم يشهرون بها، ويفضحونها، ويحملونها كل كلفة خسائر العرب، وينبشون تاريخها، ولا يتركون فرية إلا ويلصقونها بها، ويفتحون لها كل ممارسات التطبيع الصغيرة والكبيرة، ولا يغفرون لها، ولا يجدون لها أي مبرر في فقه الاضطرار أو الواقع، أو حتى التعرض لضغوطات أكبر من قدرتها، لكن في النموذج التركي يخفضون نبرتهم، وينشغلون بقضايا ثانية عن ملفاتها.كاتب هذه السطور وغيره ضد التطبيع سواء جاء من ثوار الجنوب السوري الذين يريدون الانفصال عن الدولة، مثلا، أو جاء من الحكم السوري، فلا فرق في هذه الحالة، ولا يمكن التورط بالنفاق والازدواجية، وتجريمه في حاله والسكوت عليه في حالة ثانية، والأمر ينطبق على حالات متعددة في العالمين العربي والإسلامي.مشكلتنا هي في التصنيف المسبق، وصناعة الصورة، فمن تتم صناعتها باعتباره بطلا طاهرا يسكتون على اقترابه من إسرائيل بذريعة التكتيك والاضطرار، ومن تتم صناعتها بكونها عميلة أو خائنة أو متورطة يشهرون بها ويحرقون سمعتها، برغم أن المشترك في الحالتين هو التطبيع، فيما العقاب لا يتنزل إلا على طرف دون طرف، في سياق انتقائي يعبر عن انفصام علني في المواقف.لست في وارد التورط في التصنيفات، ولا الاصطفاف يمينا ويسارا، لكن يبقى السؤال اللافت، لماذا نغضب من تطبيع طرف، ونتعامى عن تطبيع طرف، فيما الجريمة ذاتها واحدة في الحالتين.معايير الدين والوطنية والقومية والشرف لا تتجزأ وليس لها إلا معنى واحد، دون أوجه متناقضة، ودون تأويلات أيها السادة.