أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

بطاح يكتب: 'إسرائيل الكبرى' وضرورة الوعي


د. أحمد بطاح

بطاح يكتب: 'إسرائيل الكبرى' وضرورة الوعي

مدار الساعة ـ

في مقابلته الأخيرة مع محطة 1- 24 الإسرائيلية أعلن نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل صراحةً عن تماهيه مع فكرة "إسرائيل الكبرى"، وقال في سياق المقابلة إنه في مهمة "تاريخية وروحانية" لتحقيقها، وقد يهوّن البعض من مقولات نتنياهو هذه، ويظن أنها محاولة "لدغدغة" مشاعر الإسرائيليين (وبخاصة اليمين الإسرائيلي)، وكسب أصواتهم في الانتخابات القادمة. والواقع أنّ نتنياهو عبّر بكل وضوح (وبكل صفاقة بالتأكيد) عن آمال وطموح المواطن اليهودي العادي في إسرائيل، فجميع مواطني إسرائيل جاءوا أو جاء آباؤهم وأجدادهم استجابة لمقولة أن فلسطين هي "أرض إسرائيل" وأن هذه الأرض وعدها "الرب" لهم، وهم وقد استقروا الآن وكرسوا وجودهم يتطلعون إلى استكمال المهمة، أيّ التمدد في الدول المجاورة لإسرائيل (مصر، الأردن، لبنان، سوريا) لإقامة "إسرائيل الكبرى"، وبخاصة أنه يوجد الآن رئيس للولايات المتحدة اسمه "دونالد ترامب" يؤمن بأنّ إسرائيل دولة "صغيرة" ولا بأس من "توسيعها"!

كيف يجب أن يكون الرد على نتنياهو؟ هل بالشجب والإدانات فقط؟ أم بخلق "حالة وعي" لدى المواطن العربي في كل أقطاره (وبخاصة في الأقطار المحيطة بإسرائيل) بأنّ "الحلم اليهودي" ما زال قائماً، وبأن الحكمة القائلة "بأنك إذا أردت السلام فاستعد للحرب". إنّ "حالة الوعي" هذه هي بالنسبة للمواطن العربي يجب أن ترتكز على الحقائق الآتية:

أولاً: أنّ إسرائيل قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني، ولذا فيجب ألّا يكون هناك رد على هذه المظلمة التاريخية بأقل من المطالبة بقيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، أو ما يعرف في عالم الدبلوماسية "بحلّ الدولتين".

ثانياً: الاستعداد بكل معانيه في الدول العربية المجاورة لإسرائيل (بما في ذلك الدول التي عقدت معاهدات سلام معها كمصر والأردن) لمواجهة قادمة معها، وبخاصة أن المعركة الأخيرة في قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ إسرائيل لا تقيم وزناً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقد ارتكبت عملية "إبادة جماعية" للشعب الفلسطيني في القطاع المنكوب أمام أعين العالم ومراقبي هيئاته الأممية المختلفة.

ثالثاً: إنّ إسرائيل دولة غريبة في المنطقة، فهي ليست من الشعوب الأصيلة التي عاشت واستمرت فيها مثل العرب والأتراك والفرس والأكراد، وهي تختلف عن شعوبها في منظومتها القيمية، ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنها امتداد للغرب ليس فقط في نظامها السياسي (النمط الليبرالي الرأسمالي) بل في نظامها القيمي (Value System) الذي يحكم السلوكيات العامة لمواطنيها.

رابعاً: التماهي الإسرائيلي مع المشروع الاستعماري الغربي، وغني عن القول أنّ الغرب هو الذي خلق دولة إسرائيل، فبريطانيا هي التي أصدرت وعد بلفور 1917. وهي التي مهدت لقيامها فعلياً كدولة مُنتدبة على فلسطين (1920 – 1948)، والولايات المتحدة هي أول دولة في العالم اعترفت بها، وهي الدولة الأولى المزودة لها بالسلاح (أكثر من 70%)، وهي التي توفّر لها الغطاء السياسي في جميع هيئات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، أما الدول الغربية الأخرى فقد دأبت على دعم إسرائيل في جميع المجالات كفرنسا التي زودتها بالإمكانية النووية في ستينيات القرن الماضي (مفاعل ديمونا)، وألمانيا التي تزودها بما يوازي 30% من حاجتها العسكرية. صحيح أنّ هناك صحوة من قبل الدول الغربية بعد أن ارتكبت إسرائيل ما ارتكبت في قطاع غزة، ولكن هذا لا يغير من حقيقة أنّ إسرائيل "قاعدة عسكرية مُتقدّمة" للغرب، ولذا فإنّ المعركة معها لا تنفصل عن حركة العرب ضد الغرب الذي قسم بلاد العرب (معاهدة سايكس بيكو)، ونهب ثرواتهم بانتظام، وكان وراء هزائمهم في المعارك مع إسرائيل، وهو يحاول الآن "تكريس" وضع إسرائيل في المنطقة تمهيداً لبسط هيمنتها على أقطارهم بكل الوسائل المُمكنة بما في ذلك الاحتلال (اعترف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان ولم تتراجع إدارة بايدن عن ذلك)، ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية عازمة على الاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية، وفرض سيادتها عليها.

خامساً: تشكيل إسرائيل "لحالة استنزاف دائمة" لمقدرات المنطقة، الأمر الذي يحول دون نموها المُستدام. لقد عاشت المنطقة العربية حالة صراع دائم مستمر مُكلف منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948، ومن المفهوم تماماً أن هذه الحالة سوف تستمر بزخم أكبر مع محاولة تحقيق فكرة "إسرائيل الكبرى". إنّ إقامة إسرائيل الكبرى تعني بالضرورة إزالة كيانات سياسية قائمة. أو التعديل عليها بما يخدم المصالح الإسرائيلية العُليا، وهو سوف يستدعي بالضرورة التصدي لها، وهذا سوف يعني تكريس موارد المنطقة وإمكاناتها للتصدي وردع العدوان.

إنّ تحقيق "إسرائيل الكبرى" مسألة جدية وخطيرة ويجب أن يُنظر إليها بكل ما تستلزمه من توعية وجهود وإعداد، وإلّا فإنّ أبناء هذه المنطقة سوف يكونون -لا سمح الله- ضحايا كما كان أبناء الشعب الفلسطيني ضحايا لإقامة إسرائيل.

مدار الساعة ـ