أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

دور المرأة في إصلاح المجتمع

مدار الساعة,شؤون دينية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة -إصلاح المجتمع مهمة ثقيلة ومطلب عظيم تكاد تنوء به الجبال الرواسي، وهي عملية كبيرة يشارك فيها كل مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع..

ومسؤولية إصلاح المجتمعات لا تقع على عاتق الرجال فحسب، وإنما أيضا تساهم فيها النساء وتشارك فيها المرأة الرجل، وتقف فيها معه جنبا إلى جنب، وربما يكون دورها في بعض الأحيان أعظم وأكبر وأكثر أثرا من الرجل.

يثول الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

إن دور المرأة في إصلاح المجتمع له أهميته الكبرى؛ وذلك لأن إصلاح المجتمع يكون على نوعين:

الأول: الإصلاح الظاهر:

وهو الذي يكون في الأسواق، وفي المساجد، وفي غيرها من الأمور الظاهرة، وهذا يغلب فيه جانب الرجال لأنهم هم أهل البروز والظهور.

الثاني: إصلاح المجتمع فيما وراء الجدر:

وهو الذي يكون في البيوت، وغالب مهمته موكول إلى النساء لأن المرأة هي ربة البيت، كما قال الله سبحانه وتعالى موجهاً الخطاب والأمر إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}[الأحزاب: 33].

ـ أهمية دور المرأة في إصلاح المجتمع:

لو فرضنا أن دور المرأة في الإصلاح سيقتصر على العمل على إصلاح النساء (وليس صحيحا؛ لانها تربي الأولاد كذلك) ولكن على سبيل التنزل فيصح لنا القول: إن إصلاح نصف المجتمع أو أكثر يكون منوطاً بالمرأة.

السبب الأول: أن النساء كالرجال عدداً، إن لم يكن أكثر، أعني أن ذرية آدم أكثرهم من النساء، كما دلت على ذلك السنة النبوية، ولكنها تختلف من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن، فقد تكون النساء في بلد ما أكثر من الرجال، وقد يكون العكس في بلد آخر، كما أن النساء قد يكن أكثر من الرجال في زمن، والعكس في زمن آخر.

السبب الثاني: أن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون في أحضان النساء، وبه يتبين أهمية ما يجب على المرأة في إصلاح المجتمع.

ـ مقومات الإصلاح لحواء

لكي يتحقق دور المرأة في إصلاح المجتمع، لا بد للمرأة من مؤهلات أو مقومات لتقوم بمهمتها في الإصلاح.. ومن أهم المقومات.

المقوم الأول: صلاح المرأة:

أن تكون المرأة نفسها صالحة، لتكون أسوة حسنة وقدوة طيبة لبنات جنسها، فكما قيل:

لن تصلح الناس وأنت فاسد .. هيهات هيهات لما تكابد

ولكن كيف تصل المرأة إلى الصلاح؟

العلم.. العلم: لا يمكن الوصول إلى الصلاح للرجال ولا للنساء إلا بالعلم، وما أعنيه هو العلم الشرعي الذي تتلقاه، إما من بطون الكتب ـ إن أمكنها ذلك ـ وإما من أفواه العلماء، سواء أكان هؤلاء العلماء من الرجال أو النساء.

وفي عصرنا هذا يسهل كثيراً أن تتلقى المرأة العلم من أفواه العلماء، وذلك بواسطة الأشرطة المسجلة، فإن هذه الأشرطة ـ ولله الحمد ـ لها دور كبير في توجيه المجتمع إلى ما فيه الخير والصلاح، إذا استعملت في ذلك. إذن فلا بد لصلاح المرأة من العلم، لأنه لا صلاح إلا بالعلم.

المقوم الثاني: البيان والفصاحة:

بحيث يكون عندها طلاقة لسان وحسن بيان تعبر بهما عما في ضميرها تعبيراً صادقاً، يكشف ما في قلبها وما في نفسها من المعاني، ويمكنها أن توصل مفاهيم الشرع والدين للمتلقين عنها، وكذلك يعطيها القدرة على التأثير في السامعين "فإن من البيان لسحرا"..

وإنما يوصل إلى هذا أن يكون عند المرأة شيء من العلوم العربية: نحوها، وصرفها، وبلاغتها، وحينئذٍ لا بد أن يكون لها دروس في ذلك ولو قليلة، تضبط بها كلامها، وتحسن بها بيانها، وتستطيع أن تعبر تعبيراً صحيحاً يمكنها من توصيل المعنى إلى أفئدة النساء اللاتي تخاطبهنّ.

المقوم الثالث: الحكمة:

أي أن يكون لدى المرأة حكمة في الدعوة، وفي إيصال العلم إلى من تخاطب، وحكمة في وضع الشيء في موضعه، كما قال أهل العلم، وهي من نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد، أن يؤتيه الله الحكمة. قال الله عز وجل: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} [ البقرة 269].

وما أكثر ما يفوت المقصود ويحصل الخلل، إذا لم تكن هناك حكمة، فمن الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل أن ينزل المخاطب المنزلة اللائقة به، فإذا كان جاهلاً عومل المعاملة التي تناسب حاله، وإذا كان عالماً، ولكن عنده شيء من التفريط والإهمال والغفلة عومل بما تقتضيه حاله، وإذا كان عالماً ولكن عنده شيء من الاستكبار وردّ الحق عومل بما تقتضيه حاله.

فالناس درجات متفاوتون ولا يمكن أن نسوي كل واحد بالآخر، بل لا بد أن ننزل كل إنسان منزلته، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له "إنك تأتي قوماً أهل كتاب" وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليعرف معاذ حالهم كي يستعد لهم بما تقتضيه هذه الحال ويخاطبهم بما تقتضيه هذه الحال أيضاً.

المقوم الرابع: حسن التربية:

أي أن تكون المرأة حسنة التربية لأولادها، لأن أولادها هم رجال المستقبل ونساء المستقبل، وأول ما ينشئون يقابلون هذه الأم، فإذا كانت الأم على جانب من الأخلاق وحسن المعاملة، وظهروا على يديها وتربوا عليها، فإنهم سوف يكون لهم أثر كبير في إصلاح المجتمع.

لذلك يجب على المرأة ذات الأولاد أن تعتني بأولادها، وأن تهتم بتربيتهم، وأن تستعين إذا عجزت عن إصلاحهم وحدها بأبيهم أو بولي أمرهم، إذا لم يكن لهم أب من إخوة أو أعمام أو بني أخوة أو غير ذلك.

ولا ينبغي للمرأة أن تستسلم للواقع، وتقول: سار الناس على هذا فلا أستطيع أن أغيّر، لأننا لو بقينا هكذا مستسلمين للواقع ما تم الإصلاح، إذ إن الإصلاح لا بد أن يغير ما فسد على وجه صالح، ولا بد أن يغير الصالح إلى ما هو أصلح منه حتى تستقيم الأمور.

ثم إن التسليم للواقع أمر غير وارد في الشريعة الإسلامية، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في أمته مشركة يعبد أفرادها الأصنام، ويقطعون الأرحام، ويظلمون ويبغون على الناس بغير حق، لم يستسلم صلى الله عليه وسلم، بل لم يأذن الله له أن يستسلم للأمر الواقع، بل قال سبحانه وتعالى له: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ} [ الحجر:94 ].

فأمره سبحانه أن يصدع بالحق، وأن يعرض عن المشركين ويتناسى وعدوانهم حتى يتم له الأمر وهذا هو الذي حصل، نعم قد يقول قائل: إن من الحكمة أن نغير، لكن ليس بالسرعة التي نريدها، لأن المجتمع على خلاف ما نريد من الإصلاح. فحينئذٍ لا بد أن ينتقل الإنسان بالناس لإصلاحهم من الأهم إلى ما دونه، أي يبدأ بإصلاح الأهم والأكثر إلحاحاً ثم ينتقل بالناس شيئاً فشيئاً حتى يتم له مقصوده.

المقوم الخامس: النشاط في الدعوة:

أي أن يكون للمرأة دور في تثقيف بنات جنسها، وذلك من خلال المجتمع سواء أكان في المدرسة أو الجامعة أو في مرحلة ما بعد الجامعة كالدراسات العليا.

كذلك أيضاً من خلال المجتمع فيما بين النساء من الزيارات التي يمكن أن يرتبن فيها جلسات لبنات جنسهن في العلوم الشرعية، والعلوم العربية أو ترتيب الكلمات المفيدة أو التعاون على فعل الخير والمعروف، والأعمال الخيرية.. وهذا لا شك أمر طيب تحمد المرأة عليه، وثوابه باقٍ لها بعد موتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".. وهي أيضا أعمال لها أثر كبير، ودور واسع في إصلاح المجتمع.

المقوم السادس: القدوة الصالحة:

على أن من أعظم أشكال الدعوة إلى الله أن تكون المرأة قدوة لكل من تراها أو يراها من الرجال والنساء؛ في زيها، وفي أخلاقها، وفي طريقة تعاملها، وحتى مشيها في الطريق أو حتى في السوق إن اضطرت لذلك، وفي مجتمعات النساء، واللقاءات العائلية، وحتى في الجامعة تكون قدوة في الهدي والسمت والدل والالتزام بالحجاب الشرعي واجتناب الاختلاط المذموم، والفعل المستهجن المرذول.. وهذا الأسلوب الدعوي من أكثر وأعظم الأساليب تأثيرا، وأكثرها ثمرة وبركة.

هذا والله سبحانه أسأل أن يجعلنا هداة مهتدين، وصالحين مصلحين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


مدار الساعة ـ