نتنياهو متغطرس، ويشعر بنشوة الانتصار بعد كل ما حققه في حروبه على المنطقة، لكنه ليس غبيا أبدا لحد الاعتقاد بأن بمقدوره أن يجعل من أحلامه عن إسرائيل الكبرى حقيقة واقعة.
رمى العبارة التي تسببت بحالة من الاستنفار العام، في سياق مقابلة تلفزيونية على نحو غير مباشر. وهو بالمناسبة لم يذكر في معرض جوابه عن سؤال حول فكرة إسرائيل الكبرى، أسم أي دولة من دول المنطقة؛لا الأردن ولا مصر، إنما هي إضافات من محرر النسخة العربية للخبر في أحد المواقع الإخبارية.نتنياهو المنتشي عرف كيف يتلاعب بأعصابنا، ويحرك الخوف والقلق في دواخلنا. يرفع سقف التهديد بمحو دول عربية لا يقل عدد سكانها عن 180 مليون نسمة "تصوروا" حتى يغدوا الاستيلاء على أراض بحجم فلسطين التاريخية أمرا هينا وخسارة مقبولة.يعرف هذا المتغطرس أننا لا نعيش في عالم الأحلام التوراتية، وهو أكثر من يدرك الحقائق المريرة هذه الأيام.لقد مضى على احتلال اليهود لفلسطين قرابة 80 سنة. ما النتيجة اليوم؟ هناك عدد من الفلسطينيين يعيشون على أرضهم أكثر بقليل من عدد الإسرائيليين، بمن فيهم مئات الآلاف الذين هاجروا خوفا على أمنهم.غزة التي لا تزيد مساحتها عن مساحة محافظة أردنية، لم يتمكن جيش نتنياهو منذ قرابة عامين من احتلالها كاملة، أو تهجير سكانها. مصر المائة مليون نسمة وأزيد، التي يشملها حلم إسرائيل الكبرى، لم يستطع نتنياهو أن يجبرها على استقبال سكان القطاع، فأفشلت مخططاته لتهجيرهم.نجح نتنياهو للأسف بهز ثقتنا بأنفسنا، وبدا لنا وكأن جنوده يتجولون في عواصم الدول العربية، فاستنفرنا مخزوننا في التعبئة والتجنيد، وأوشك بعضنا على طلب إعلان الحرب.نتنياهو لا يريد إسرائيل الكبرى، بل يريد فلسطين الكبرى. فلسطين من البحر إلى النهر، دولة يهودية خالصة، خالية من أهلها الأصليين. وللوصول إلى هذا الهدف الذي ما يزال صعبا وعسيرا، يناور بمساحات أخرى، لتحقيق أهدافه. بعد السابع من أكتوبر فقط شعر نتنياهو ومن معه من المتطرفين أن الفرصة أصبحت بالمتناول.والفشل في تحقيق فلسطين الكبرى، يدفعه لتقديم لائحة أكبر، ليداري إخفاق كيانه في اجتثاث الفلسطينيين من أرضهم، أو دفعهم للهجرة. ووقوف الدول العربية المعنية ضد هذا المشروع.حكومة نتنياهو هي مجموعة من المجانين وأصحاب السوابق الإرهابية، وأسوأ المتطرفين في إسرائيل، وكلما رفعوا من سقف خطابهم المتغطرس، زادت عزلة إسرائيل في العالم، وتعاظمت المعارضة لسياساتها في أوساط الشعوب والحكومات.نتنياهو غير قادر على إقناع أكثر من نصف شعبه بجدوى استمرار الحرب على غزة، فكيف له أن يقود إسرائيل لتصبح دولة من الفرات إلى النيل؟!ينبغي أن نتعلم الدروس من عقود الصراع الطويل مع الصهيونية، ويبدو أننا لم نتعلم بعد.المهم في هذه المرحلة أن لا نمنح حكومة نتنياهو فرصة لتسجيل مزيد من الانتصارات في الساحة العربية والفلسطينية. نوقف مسلسل الخسائر وجرائم القتل في غزة، ونستعيد وحدة المشروع الفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني، ونلتفت لأوطاننا العربية التي تلوح في أجوائها نذر حروب أهلية وطائفية، ستكون بمثابة هدية لإسرائيل أحلى وأكثر قيمة من قيام إسرائيل الكبرى. إذا شئتم توظيف الحديث عن إسرائيل الكبرى، لتمتين الجبهة الداخلية، ورفع الجاهزية الوطنية، فذلك مبرر ومقبول، لكن لا تجعلوا أحلام نتنياهو تطاردنا وتفزعنا.
لا تجعلوا أحلام نتنياهو تفزعنا
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ