أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

المرتكزات الدستورية لإعادة خدمة العلم


أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

المرتكزات الدستورية لإعادة خدمة العلم

أ. د. ليث كمال نصراوين
أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ

أعلن ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني عن إعادة خدمة العلم، مؤكداً في تصريحه الرسمي أن التدريب الشامل الذي سيخضع له الشباب في مفهومه الجديد يشكّل أساسًا لترسيخ الهوية الأردنية والدفاع عن الوطن. وقد كان سموّه موفقًا في الربط بين إعادة خدمة العلم والأسس الدستورية ذات الصلة، إذ أفرد المشرّع الدستوري مجموعة من المبادئ العامة التي استند إليها ولي العهد لإعلان عودة العمل بنظام خدمة العلم.

أول هذه الأسس الدستورية هو الدفاع عن الوطن، فالمادة (6/2) من الدستور تنص صراحة على أن: "الدفاع عن الوطن وأرضه ووحدة شعبه والحفاظ على السلم الاجتماعي واجب مقدس على كل أردني". وعندما ربط ولي العهد بين خدمة العلم والتدريب مع نشامى القوات المسلحة للدفاع عن تراب الوطن وسلامته، فقد أشار إلى الركيزة الدستورية الأساسية لنظام خدمة العلم.

إن هذا النص الدستوري يندرج ضمن المبادئ العامة التي ترسم هوية الدولة وتحدد علاقة الفرد بها، فهو ذو طابع رمزي وقيمي أكثر منه إنشائياً. كما يؤكد أن الانتماء للوطن والدفاع عنه وحماية وحدته الوطنية والسلم الاجتماعي ليست مجرد خيارات فردية، بل التزامات دستورية. فاستعمال المشرّع الدستوري لمصطلح "واجب مقدس" يمنح النص بعدًا أخلاقيًا وروحيًا، ويعكس إرادة في تعزيز روح التضامن والانتماء الوطني. أما إدراج عبارة "الحفاظ على السلم الاجتماعي" إلى جانب الدفاع عن الوطن وأرضه، فيُظهر وعيًا عميقًا بأهمية الوحدة الداخلية كجزء لا يتجزأ من الأمن القومي، بحيث يصبح الحفاظ على الاستقرار مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطنين.

أما الأساس الدستوري الثاني الذي أشار إليه ولي العهد والمتعلق بتعزيز الهوية الأردنية، فقد ترسخ في التعديلات الدستورية لعام 2022 التي دسترت مفهوم المواطنة وسيادة القانون. فالمادة (6/7) من الدستور تنص على أن: "تكفل الدولة تعزيز قيم المواطنة والتسامح وسيادة القانون". فالهوية الوطنية ليست مجرد شعور بالانتماء أو بطاقة تعريفية بالجنسية، بل هي منظومة قيم ومبادئ تجمع المجتمع تحت راية واحدة، وتربط الفرد بوطنه ارتباطًا عمليًا وعاطفيًا في آنٍ واحد. ومن هنا، تأتي خدمة العلم كأداة وطنية فاعلة لتعزيز هذا الانتماء؛ فهي ليست تدريبًا عسكريًا وحسب، بل تجربة حياتية تُعلّم الشباب معنى المسؤولية والمواطنة، وتجعل الهوية الوطنية واقعًا ملموسًا في حياتهم اليومية.

كما ترتبط خدمة العلم بالتزام الدولة الدستوري بتمكين الشباب من المساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنمية قدراتهم ودعم إبداعاتهم وابتكاراتهم. فهي تمنح الشباب فرصة فريدة لتجربة الانتماء الوطني على أرض الواقع، إذ يشعر الفرد بأنه جزء من منظومة أكبر، له حقوق وواجبات تجاه وطنه. والمشاركة في التدريب العسكري لا تعني فقط إتقان مهارات الدفاع عن الوطن، بل تشمل أيضًا صقل الشخصية، وغرس قيم الالتزام والانضباط والعمل الجماعي. وبهذا، تتحول الهوية الوطنية من شعور وجداني إلى ممارسة عملية يعيشها الشباب ويطبقونها في علاقتهم بمجتمعهم ودولتهم.

وتبرز هنا إحدى أبرز مزايا خدمة العلم، وهي جمع الشباب من بيئات اجتماعية ومناطقية مختلفة في معسكرات موحدة، حيث يرتدون الزي ذاته ويخضعون للنظام والتدريب نفسيهما، بصرف النظر عن خلفياتهم. وهذه التجربة تعزز مبدأ المواطنة المتساوية، وتغرس قيمة الوحدة والتضامن، فتجعل من الهوية الوطنية واقعًا معاشًا.

كذلك، تسهم خدمة العلم في تعزيز قيم الانضباط والتعاون، التي تُعد من ركائز الهوية الوطنية الأردنية. فالخدمة العسكرية لا تقتصر على التدريبات الميدانية، بل تشمل الالتزام بالمواعيد، والعمل بروح الفريق، وتحمل المسؤولية الفردية والجماعية. وهي قيم أساسية تسهم في صقل شخصية الشباب، وتجعلهم أكثر قدرة على المشاركة الفاعلة في بناء مجتمعهم.

وتزداد أهمية إعادة خدمة العلم في هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم انفتاحًا رقميًا وثقافيًا واسعًا جعل الشباب أكثر اتصالًا بهويات وثقافات خارجية، وأشد عرضة لتيارات فكرية متعددة قد تضعف ارتباطهم بالهوية الوطنية. من هنا، تأتي خدمة العلم لتشكّل سياجًا تربويًا يزوّد الشباب بحصانة فكرية، ويغرس فيهم قيم الانتماء والتضحية والواجب الوطني. فهي ليست تجربة عسكرية فقط، بل أيضًا منصة لتثقيف الشباب بالتراث الوطني والتاريخ المشترك، وتعريفهم بمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم ودولتهم.

ختامًا، فإن خدمة العلم تمثل تجربة وطنية متكاملة تنسجم مع الأسس الدستورية التي يقوم عليها البناء الأردني. فهي كفيلة بتحويل الانتماء الوطني من شعور عابر إلى ممارسة يومية، وتعزيز الهوية الوطنية بين الأجيال الجديدة، وتأكيد أن المواطنة الحقيقية تبدأ من التزام الفرد تجاه وطنه، وتنمو بالعمل الجماعي والتضحية المشتركة، لتصبح الهوية الوطنية جزءًا حيًا وفاعلًا في حياة الشباب الأردني.

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ