أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

من أجل هذا خدمة العلم مهمة..


مكرم الطراونة

من أجل هذا خدمة العلم مهمة..

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

بصوته الهادئ، وابتسامة عريضة على شفتيه وهو يتوسط شبابا وشابات في محافظة إربد، يعلن سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، عن إعادة تفعيل برنامج خدمة العلم، ليقابل إعلانه بالتصفيق الحار من الحاضرين.

الإعلان، بحسب سموه، لم يكن وليد اللحظة، فقد أكد أنه كان قد أوعز للحكومة منذ مدة بالعمل على تطوير برنامج خدمة العلم، من أجل "تهيئة الشباب ليكونوا جاهزين لخدمة الوطن والدفاع عنه".

الشباب والشابات الذين كانوا يحضرون لقاء ولي العهد وصفقوا لإعلانه، هم عيّنة يمكن سحبها على جميع الأردنيين، فأنا أكاد أجزم أنه ما من أردنيّ إلا وشعر بالسعادة والفرح لهذا الإعلان، فمنذ سنوات طويلة، طالب خبراء بعودة خدمة العلم، لما لها من فوائد كثيرة على الشباب، فهي قادرة على صقل الشخصية وتعزيز الانضباط، ورفع الاعتماد على النفس، واحترام الوقت، وخلق إنسان قادر على تحمّل المسؤولية.

كما أن المدة الزمنية التي سيعيشها الشاب عسكريا، ستكسبه مهارات وخبرات جديدة، بواسطة التدريبات المهنية والتقنية التي سيخضع لها، وهي تدريبات لا بد أن تسهم في بناء القدرات وتعزيزها، بما قد يحقق للأردن رفع مستوى العمالة الماهرة، وزيادتها في السوق المحلي والأسواق المجاورة، وهو الذي سيقود حتما إلى خفض نسب البطالة المرتفعة بين الشباب.

أهمية البرنامج لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتعداه نحو تعزيز الهويّة الوطنية والانتماء، وترسيخ مفهوم الشراكة في الوطن والارتباط به، وهي قيم إيجابية نعترف بأنها تراجعت كثيرا في الوجدان العام منذ شيوع العولمة، وما أفرزته من ثقافة تكاد تكون موحدة.

في علم السلوك والاجتماع، فإن اختبار حياة مشتركة لمجموعة من البشر من خلفيات داخل مكان معين، والانخراط في نشاطات مشتركة، يسهم في تفتيت آفة الفئوية والمناطقية، وتعزيز الحس الجمعي، وزيادة التعاطف، بالتعرف جيدا إلى التحديات التي تواجه المجتمعات، ما يخلق في نهاية المطاف توحيد الحس الإنساني، وتكوين ثقافة شبه موحدة، وتعزيز الثقافة الوطنية الموجودة في الأصل.

منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، اضطرت الثقافات الوطنية في العالم كله إلى الدخول في صدام مع الثقافة المركزية الغربية المسيطرة، خصوصا الثقافة الأميركية التي أصبحت كونية، وتهدد الثقافات الأخرى بالابتلاع، وهو الأمر الذي لا شك أنه يهدد الهوية الوطنية، ويجبرها على انزياحات خطيرة، لتبدأ بالتلاشي التدريجي.

من الجيد أن نعرف أن إعادة خدمة العلم كفيلة بأن ترمم كثيرا من "العطب" الذي أصاب الشباب خلال أكثر من ثلاثة عقود من تعطيل البرنامج، من أجل أن نبدأ من جديد في توجيه معنوي وبدني وسلوكي، يكون قادرا على إحداث فرق حقيقي في حياة أبنائنا.

نحن لا نعيد اختراع العجلة، فهذا البرنامج كان قائما في الأصل، فقد بدأت الخدمة العسكرية الإلزامية في الأردن بصدور "قانون خدمة العلم الأردني" العام 1976، وظلت قائمة حتى العام 1991 حين تم تعليق العمل بالقانون.

لقد آمن أجدادنا بحق الأجيال في حياة وطنية صحية يشعرون فيها بالانتماء الحقيقي للوطن، ويكونون مستعدين لبذل كل شيء في سبيله، لذلك أقروا الخدمة العسكرية الإلزامية التي خرّجت مواطنين منتمين لتراب بلدهم، وأسهموا في بناء دولتهم بكل صدق وإخلاص، بل حتى أنهم انتشروا في العديد من البلدان التي أسهموا في بنائها ونهضتها.

اليوم، يأتي ولي العهد ليؤكد أن الدولة الأردنية ليست غافلة عن هذا الركن الأساسيّ، وأنها تعمل منذ مدة لكي ترسخ ارتباط الشباب الأردني بوطنه وأرضه. إنها حلقة مهمة في تقوية الجبهة الداخلية، وهي كفيلة ببناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ