أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

توازنات تبحث عن استدامة


د. رعد محمود التل

توازنات تبحث عن استدامة

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ

تشير الأرقام الاقتصادية الأخيرة في الأردن إلى تحسن نسبي في عدد من المؤشرات الكلية، ما يؤسس لقاعدة نقاش حول مسار الاقتصاد واتجاهاته المستقبلية.

فقد انخفض العجز في الحساب الجاري إلى نحو 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وهو أدنى مستوى منذ عام 2019. هذا التطور يعكس تحسنًا في الميزان الخارجي ويخفف من حجم الحاجة إلى التمويل الخارجي، الأمر الذي يرتبط عادةً بمستوى المخاطر وثقة المستثمرين.

كما سجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بحدود 2.5% خلال العام نفسه، وهو ما يعكس استمرار النشاط الاقتصادي عند مستويات معتدلة. في المقابل، استقر معدل التضخم حول 2%، ما وفر بيئة سعرية أكثر استقرارًا وقلل من الضغوط على السياسات النقدية. إضافة إلى ذلك، إرتفع رصيد الاحتياطيات الأجنبية ليصل إلى نحو 22 مليار دولار، وهو ما يعزز قدرة البنك المركزي على التعامل مع أي تقلبات محتملة مستقبلية.

في ضوء هذه التطورات، يبرز تساؤل حول كيفية استثمار هذه المؤشرات لتعزيز استدامة النمو. فالمحافظة على التوازنات الكلية لا يكفي بحد ذاته لتحقيق معدلات نمو مرتفعة أو خلق فرص عمل كافية، وهو ما يفتح المجال للنقاش حول أهمية المضي في الإصلاحات الهيكلية التي تستهدف رفع الإنتاجية وتحسين تنافسية القطاعات الاقتصادية. القطاعات ذات الأولوية مثل الصناعة والزراعة والخدمات اللوجستية تبقى في مقدمة المجالات التي يمكن أن تسهم في تعزيز القاعدة الإنتاجية.

من جانب آخر، يُطرح موضوع بيئة الأعمال كعامل مؤثر في استقطاب الاستثمارات. تبسيط الإجراءات الإدارية وتخفيض مستويات البيروقراطية يمكن أن يسهم في تقليل الكلفة على المستثمرين، إلى جانب توفير أدوات تحفيزية للقطاعات ذات القيمة المضافة العالية. كما أن تنويع قاعدة الصادرات والانفتاح على أسواق جديدة يظل من العناصر الجوهرية لضمان استقرار التدفقات التجارية، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة.

على صعيد السياسة المالية، فإن تراجع العجز في الحساب الجاري يتيح مساحة أوسع لتوجيه الموارد نحو النفقات الرأسمالية ذات الطابع التنموي. مشاريع البنية التحتية في مجالات الطاقة المتجددة، النقل، والمناطق الصناعية، يمكن أن تمثل رافعة لدعم القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي. كما أن الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا والابتكار يبقى عنصرًا محوريًا في أي استراتيجية طويلة الأمد لتوليد فرص العمل وتحقيق قيمة مضافة أكبر.

إن الناظر إلى المؤشرات الأخيرة كإطار أولي يعكس تحسنًا نسبيًا في البيئة الاقتصادية الكلية، لكنه في الوقت ذاته يسلط الضوء على الحاجة المستمرة إلى إصلاحات هيكلية عميقة لضمان استدامة النمو وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد بفكر اقتصادي عميق لا ينجزه إلا اقتصادي بارع يفهم دلالات الأرقام الاقتصادية لا المحاسبية فقط!

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ