المقدمة
تُشكّل فئة الشباب العمود الفقري لأي مجتمع، وهم القوة المحركة للتغيير والإبداع والتنمية. وفي المجتمعات الديمقراطية، يُعد انخراط الشباب في العمل الحزبي والمشاركة السياسية عنصرًا حيويًا لتجديد الحياة السياسية وتعزيز قيم المواطنة الفاعلة. ومع ذلك، تشهد العديد من الدول العربية، ومنها الأردن، ظاهرة عزوف الشباب عن الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو المشاركة الفاعلة فيها، ما يثير تساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة وآثارها، والحلول الممكنة لمعالجتها.أولًا: أسباب عزوف الشباب عن المشاركة في الأحزاب 1. ضعف الثقة في الأحزابيرى الشباب أن معظم الأحزاب تفتقر إلى الفعالية في التأثير وصناعة القرار، وأنها مشغولة بصراعات داخلية أكثر من تركيزها على خدمة قضايا المواطن. 2. غياب البرامج الموجهة للشبابكثير من الأحزاب لا تمتلك خططًا عملية تعكس أولويات الشباب، مثل: التشغيل، التعليم، الابتكار، وريادة الأعمال، مما يقلل من جاذبيتها. 3. الخطاب التقليدياستمرار بعض الأحزاب في استخدام خطاب تقليدي بعيد عن لغة العصر، وعدم توظيف وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعّال، يجعلها غير قادرة على التواصل مع جيل الرقمنة. 4. الأوضاع الاقتصادية والاجتماعيةارتفاع معدلات البطالة، وضغوط الحياة اليومية، وضعف الحوافز الاقتصادية تجعل الشباب يرون الانخراط الحزبي أمرًا غير مجدٍ. 5. المحددات السياسية والثقافيةفي بعض البيئات، ينظر المجتمع إلى العمل الحزبي بريبة أو حذر، كما قد تُقيد بعض القوانين مشاركة الشباب، مما يضعف الحماسة لديهم للانخراط السياسي.ثانيًا: آثار عزوف الشباب • استمرار فجوة الأجيال داخل المؤسسات السياسية. • ضعف التجديد والإبداع في الحياة الحزبية. • تراجع ثقة المجتمع في فعالية الأحزاب. • غياب التمثيل الحقيقي للشباب في صناعة القرار، مما يضعف الشرعية السياسية للأحزاب.ثالثًا: تجارب دولية وعربية • أوروبا: اعتمدت بعض الدول على “مجالس شبابية حزبية” موازية للهياكل التقليدية، مما منح الشباب مساحة لطرح أفكارهم وتجريب القيادة. • تونس بعد الثورة: ارتفعت نسبة مشاركة الشباب في تأسيس الأحزاب والحركات، لكن سرعان ما تراجعت بسبب الإحباط من بطء التغيير. • الأردن: أطلقت الدولة تعديلات على قانون الأحزاب (2022) تلزم الأحزاب بتمثيل نسب محددة من الشباب والنساء، لتعزيز مشاركتهم وضمان تمكينهم.رابعًا: الحلول المقترحة 1. إصلاح البنية الداخلية للأحزابتمكين الشباب من مناصب قيادية، وفتح المجال أمامهم للمشاركة في صنع القرار بدلًا من اقتصار دورهم على الهامش. 2. صياغة برامج شبابيةوضع سياسات عملية تعالج أولويات الشباب، مثل توفير فرص التدريب والعمل، ودعم المشاريع الريادية. 3. التحديث الرقميالاستثمار في الإعلام الرقمي ومنصات التواصل للتفاعل المباشر مع الشباب وإشراكهم في صياغة المواقف. 4. التثقيف والتدريب السياسيإدماج الشباب في برامج التثقيف المدني، وتنظيم ورش عمل لتعريفهم بحقوقهم السياسية وأهمية الانخراط الحزبي. 5. الدعم القانوني والمؤسسيسنّ تشريعات تضمن الحصص الشبابية (الكوتا) داخل الأحزاب والبرلمانات، وتحفيز المشاركة عبر برامج حكومية ومبادرات جامعية.وفي النهاية إن عزوف الشباب عن المشاركة في الأحزاب السياسية يمثل تحديًا كبيرًا لمستقبل الديمقراطية في العالم العربي. معالجة هذه الظاهرة لا تتطلب فقط إصلاح الأحزاب، بل أيضًا بناء ثقة حقيقية بين الشباب والعملية السياسية من خلال برامج جادة، قوانين داعمة، وممارسات تعكس التمثيل الفعلي للشباب. المشاركة الحزبية ليست خيارًا ثانويًا، بل هي ضرورة وطنية لضمان تداول السلطة وتجديد الحياة السياسية وصناعة مستقبل أكثر عدلًا وفاعلية. ومن مراجع مقترحة • التقرير العربي حول الشباب 2022 – المؤسسة العربية للديمقراطية. • برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP): الشباب والمشاركة السياسية في المنطقة العربية. • دائرة الأحزاب السياسية – الأردن: قوانين وتشريعات 2022. • دراسة “الشباب والأحزاب السياسية في تونس بعد الثورة” – المركز العربي للأبحاث.
أبو نوار يكتب: عزوف الشباب عن المشاركة في الأحزاب السياسية.. الأسباب والحلول
مدار الساعة ـ