حين يطل بنيامين نتنياهو بمشروع "إسرائيل الكبرى" والتهديدات الشاملة، فهو لا يطلق خطابًا سياسيًا عابرًا، بل يحاول اختراق وعي الأردنيين، مستهدفًا وهويتهم ، وباحثًا عن أي شرخ يمكن أن ينفذ منه.
الأردن اليوم يواجه هذا الخطاب بوعي تام، مدركًا أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل على الرموز والمعاني التي تشكل هوية الدولة والمجتمع. ولسنا في موقف دفاعي؛ فالأردني يعرف وطنه ويثق بقدراته، ويدرك ما تملكه قيادته من رؤية استشرافية بعيدة المدى، تجعلها قادرة على قراءة المشهد الإقليمي وتحديد مسارات الفعل قبل أن تفرضها الظروف.الموقف الرسمي الأردني جاء صارمًا وحازمًا، مؤكدًا أن السيادة الوطنية خط أحمر، وأن أي تهديد، حتى لو بدا محدودًا، غير مقبول إطلاقًا. وهنا يظهر الفارق الكبير بين خطاب إسرائيل المبالغ ومحاولة التلاعب النفسي، وبين وعي الأردن الرسمي في الرد.على المستوى الشعبي، تتكشف طبقات متعددة من الاستجابة. هناك من وجد في تهديدات نتنياهو فرصة لتجديد الاصطفاف خلف القيادة، وإدراك أن وحدة الصف هي الدرع الأقوى في مواجهة أي مشروع توسعي. وهنالك من يعانينون الامر بالعاطفه وبلحظات الحماس. بينما برز صوت أقلوي متشائم، اتخذ من السخرية أو التشكيك وسيلة للتقليل من شأن الموقف الأردني، في نزعة تُضعف المناعة الوطنية أكثر مما تخدمها، متجاهلًا الفارق الكبير بين خطابات قوى تعرف كيف تخاطب وجدان الشارع الأردني بلغته ورموزه الدينية، وبين تهديدات عدو تاريخي يفتقر لأي أرضية للتأثير الشعبي.ما فعله نتنياهو وحكومته المتطرفة ليس سوى انعكاس لوضع مأزوم داخل حكومته، حيث لجأ إلى خطاب مبالغ فيه لخلق صدمة واختبار حدود الصبر، على أمل دفع خصومه إلى التراجع ومنحه مكاسب جزئية. لكن الأردن الرسمي فهم اللعبة جيدًا، ورأى فيها محاولة للانتقاص من الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وهو ما رفضه الأردن رفضًا قاطعًا، مؤكدًا أن أي تنازل، مهما بدا صغيرًا، غير مقبول.وبتحليل أعمق، نجد أننا أمام ثلاث حالات متباينة من ردود الفعل:الأولى، وعي سيادي يدرك حدود الدولة الرمزية والمادية؛ الثانية، فئة تنظر للأمر بعاطفة وتنجرف وراء أساطير البطولة اللحظية؛ والثالثة، تيار هدّام يعيد إنتاج سرديات الخصم داخل المجال الوطني.وفي سياق غير مستقر إقليميًا، يقف الأردن على تماس مباشر مع أزمات مشتعلة غزة تحت القصف، إيران وإسرائيل على شفير مواجهة، وإعادة تشكيل التحالفات العربية في هذه البيئة، يصبح الحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية مسألة أمن قومي بامتياز، لأن الانقسام الداخلي هو ما يطمح إليه نتنياهو وأي مشروع معادٍ. وهكذا، يكون الرد الحقيقي ليس في البيانات الرسمية فقط، بل في استمرار تماسك الجبهة الوطنية، التي أثبتت – كما العادة – قدرتها على التصدي لأي مؤثر خارجي، بما يحفظ حدود الأردن ويصون قراره الوطني، ويحوّل أي تهديد خارجي إلى هزيمة قبل أن تتحقق المواجهة الفعلية.
قديسات يكتب: الجبهة الوطنية تبدد اوهام نتنياهو
مدار الساعة ـ