حافظ الأردن على سياسة ربط الدينار الأردني بالدولار الأميركي، وهي خطوة استراتيجية أثبتت على مدى ثلاثة عقود أنها إحدى ركائز الاستقرار الاقتصادي في المملكة. هذه السياسة النقدية لم تأتِ من فراغ، بل جاءت استجابة لحاجة الاقتصاد الأردني إلى بيئة مالية مستقرة قادرة على تعزيز الثقة الداخلية والخارجية، ودعم القطاعات الحيوية، وعلى رأسها القطاع الصناعي.
إحدى أهم مزايا هذا الربط هو توفير الثقة للمستثمرين والمصنعين على حد سواء. فمعظم المواد الخام المستوردة، مثل النفط والغاز والمعادن والكيماويات والمواد الغذائية الأولية ، تسعَّر بالدولار الأميركي، مما يعني أن استقرار سعر الدينار يحمي المصانع من تقلبات أسعار الصرف المفاجئة. هذا الاستقرار يساعد الشركات على وضع خطط إنتاج وتسعير تمتد لأشهر وربما سنوات، بعيدًا عن ضغوط المضاربة في أسواق العملات. لا يخفى على أحد أن الثقة هي العملة الأقوى في عالم المال والأعمال. الربط بالدولار جعل من الأردن بيئة استثمارية جاذبة، خاصة في القطاعات التصديرية والخدمية. كما سهّل هذا الربط على المصدرين الأردنيين التعامل مع أسواق الخليج والولايات المتحدة، حيث يجري التسعير بالدولار أو بعملات مرتبطة به، مما يختصر التكاليف ويزيل المخاطر المرتبطة بتذبذب العملات.ويجب الا ننسى انه إلى جانب الاستقرار المالي للقطاع الصناعي في الاردن، فأن ربط ربط الدينار بالدولار يسهم في الحد من التضخم او لنكون دقيقين اكثر "بالتضخم المستورد"، إذ تبقى أسعار السلع الأساسية والطاقة أكثر استقرارًا، ما ينعكس إيجابًا على تكاليف المعيشة. هذا بدوره يحافظ على القوة الشرائية للمواطنين، ويمنع الدخول في دوامة ارتفاع الأسعار التي تعصف باقتصادات كثيرة حول العالم.ورغم كل هذه الإيجابيات، فإن ربط العملة يحد من قدرة السياسة النقدية على تخفيض سعر الصرف كأداة لتحفيز الصادرات حيث ان قوة الدولار تجعل المنتجات الأردنية أكثر كلفة في الأسواق الخارجية مما يضعف تنافسيتها أمام دول ذات عملات أضعف.، وهي ورقة تلعبها بعض الدول المنافسة كما حصل في العراق عندما غزت المنتجات الأيرانية السوق العراقي بسبب تدهور العملة الأيرنية والحاجة المساة للدولار الأمريكي. ولكن الجودة والنوعية للمنتجات الأردنية كانا السبب في تنافس المنتجات الأردنية في السوق العراقي .هنا، يكمن التحدي في تحسين الإنتاجية وخفض تكاليف الإنتاج، خصوصًا في مجالات الطاقة والنقل واللوجستيات، لتعويض فقدان هذه الأداة التقليدية.اما بخصوص السوق المحلي الأردني، فأن ارتفاع سعرالدينار يجعل الواردات أرخص نسبيًا، مما قد يؤثر سلبًا على تنافسية المنتج الوطني. في الأسواق الأردنية وهذا قد يؤدي الى تشجيع الاستيراد على حساب الإنتاج المحليلقد أثبتت التجربة الأردنية على أن استقرار العملة وسياسة ربط الدينار بالدولار الأمريكي ليس مجرد خيار نقدي، بل هو ركيزة استراتيجية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وأداة فعالة لتحقيق الاستقرار النقدي وجذب الاستثمار. لكن في نفس الوقت فأن الأستمرار في هذا الربط يتطلب سياسات اقتصادية موازية لتعزيز الإنتاجية، وتطوير الصادرات، وتقليل الاعتماد على الواردات.ان ما تمر به المملكة من تحديات جيوسياسية وتقلبات عالمية، يبقى ربط الدينار الأردني بالدولار الأميركي صمام أمان، يمنح الصناعة الأردنية الثقة والقدرة على الصمود، ويهيئ بيئة مواتية للنمو وجذب الاستثمار الأجنبي بشتى المجالات وخاصة الأستثمارات التي تعتمد على القوة البشرية والأيدي العاملة في الأردن حيث ان التحدي الحقيقي يكمن في الموازنة بين استقرار العملة والحفاظ على القدرة التنافسية للاقتصاد الأردني في الأسواق العالمية.
ابو عيطة يكتب: ربط الدينار الأردني بالدولار الأميركي صمام أمان ام قيد على الصناعة الاردنية
الدكتور جورج طناس ابوعيطه
ابو عيطة يكتب: ربط الدينار الأردني بالدولار الأميركي صمام أمان ام قيد على الصناعة الاردنية
مدار الساعة ـ