أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

د. شنكول تكتب ذاكرة الطريق: ماذا يعني أن تسافر من بغداد إلى عمّان


د. شنكول قادر

د. شنكول تكتب ذاكرة الطريق: ماذا يعني أن تسافر من بغداد إلى عمّان

مدار الساعة ـ

الطريق بين بغداد وعمّان ليس مجرّد مسافة تُقطع، بل رحلة كاملة تحمل في طياتها ذاكرة أجيال، ونبض مدن، وحكايات أناس مرّوا عبرها في ظروف متناقضة؛ مرة في أوقات الرخاء، وأخرى في مواسم الخوف والضيق.

منذ اللحظة التي تغادر فيها بغداد، تبدأ رائحة الصباح تملأ الحافلة أو السيارة، مزيج قهوة مُرّة وصوت محرك يتهيأ لرحلة طويلة. المدن والقرى تتوالى على جانبي الطريق، كل منها يُلقي عليك تحية عابرة، أو يذكّرك بزيارة قديمة، أو شخص كان يسكن هنا ثم غاب.

حين تقترب من الأنبار، تتسع الصحراء، ويتراجع العمران، ويحلّ مكانه الأفق المفتوح الذي لا يقطعه سوى شاحنات ثقيلة وقوافل صغيرة. هنا، الزمن يتباطأ، وكأنك تعبر مساحة خارج التقويم، حيث كل دقيقة هي امتداد لصمت الرمال.

على المعابر الحدودية، تختلط اللهجات الأردنية والعراقية، وتصبح الأحاديث أكثر دفئًا. هناك، في نقطة العبور، ترى المعنى الحقيقي لكلمة "جوار": موظف الحدود يعرف بعض المسافرين بالاسم، وسائق الشاحنة يسلّم على زميله القادم من الجهة الأخرى كما لو كان يلتقيه في سوق الحي.

مع دخولك الأراضي الأردنية، تبدأ ملامح الطريق في التبدل: لوحات إعلانية، مقاهي طريق، وألوان مختلفة للصحراء. وفي الرويشد أو المفرق، تجد أن المدينة الصغيرة تتحوّل إلى محطة حياة، حيث يتوقف الناس لتبادل القصص، وتناول وجبة، وربما شراء هدية صغيرة قبل متابعة الرحلة.

الوصول إلى عمّان يحمل إحساسًا مزدوجًا: فرح ببلوغ الوجهة، وحنين للطريق الذي تركته خلفك. فهذه الرحلة، على طولها، ليست مجرد عبور جغرافي؛ إنها تذكير بأن ما بين بغداد وعمّان هناك عالم كامل من التفاصيل، والألفة، والعلاقات التي تُبنى على الطريق قبل أن تصل إلى أي مكتب أو قاعة اجتماع.

فالطريق ليس فراغًا بين نقطتين، بل جسرًا حيًا بين شعبين، وجزءًا من ذاكرة مشتركة نكتبها كلما قررنا السفر.

مدار الساعة ـ