أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

أبو حجر يكتب: يا ضايق الصدر


عاطف أبو حجر

أبو حجر يكتب: يا ضايق الصدر

مدار الساعة ـ

هناك لحظات في العمر لا تتكرر؛ لحظات تصبح فيها الموسيقى أكثر من مجرد ألحان، تشكل بوابة لذكريات خالدة وجسرًا بين القلب والماضي. في منتصف التسعينيات، كنت أعيش أيامي مثقلاً بأحزان تراكمت لسنوات، أبحث عن كلمة حلوة، عن لمسة إنسانية تنتشلني من داخلي المظلم. لم أكن أعلم أن لحظة صغيرة، على أنغام أغنية، ستغيّر مسار حياتي كله.

صباح اليوم، كنت أتصفح إحدى التطبيقات، ومر أمامي فيديو لأحد الصديقات، وهي تقود سيارتها متجهة إلى عملها، وتظهر جمال شوارع دبي صباحًا، على أنغام مقطع من أغنية لها ذكرى سعيدة ومؤلمه في آن واحد. رجعت بي الذاكرة إلى ذلك الموقف الذي لا أستطيع أن أنساه، الزمن منتصف التسعينات، المكان إحدى قاعات الأفراح في فندق غرب عمان.

ذهبت لحضور حفل زفاف صديق. وصلت مبكرًا وجلست على طاولة جانبية أراقب التحضيرات، وكان الـDJ أغنيات اختارها العروسان. وفجأة، انطلق صوت محمد عبده الدافئ وهو يصدح:

"يا ضايق الصدر بالله وسع الخاطر، دنياك يا زين ما تستاهل الضيقة…"

وكانت الكلمات تسرب إلى روحي كالماء على أرض عطشى.

وبينما الألحان تملأ المكان، دخلت القاعة فتاة ترتدي فستانًا أسود طويلًا، تمشي بخطوات هادئة واثقة، شامخة، لا تلتفت لأحد. كأنها خرجت من لوحة فنية أو من حلم قديم كنت أنتظره دون أن أدري. عيناها كانتا تحملان بريقًا غامضًا، وابتسامتها الصغيرة أعادت ترتيب فوضاي الداخلية. لم أكن أعلم أنها ستكون حبيبتي.

كانت تلك البداية لحب من الطراز الأول… حب نقي صافٍ، كنسيم الفجر حين يلامس وجهك بعد ليلة طويلة من التعب. أشهر قليلة عاشت معي وكأنها حياة كاملة؛ بددت وحشة القلب وأعادت للروح القدرة على الابتسام. فتاة بعمر الزهور، أتت فجأة وملأت فراغًا ظننتُ أنه لا يُملأ.

لكن كما جاءت بلا موعد، رحلت بلا وداع. اختفت من حياتي كأنها لم تكن، تاركة وراءها قلبًا ممتلئًا بالشوق، وأغنية تحولت إلى مرثية لحب لم يكتمل. كلما سمعت يا ضايق الصدر، عادت صورتها وهي تدخل القاعة، وخطواتها المتمهلة على إيقاع كلمات الأمير خالد الفيصل وألحان محمد عبده.

ومرت سنوات. يعاد المشهد أحيانًا بصورة مشابهة، لكن مع بطلة أخرى أجمل استبدلها القدر على مضمار الحياة. توجتها الأيام بصفات أقدّرها: رزانة العقل، الطيبة، الاتزان… هي بطلة هذا الزمن، ولكني لم أعد البطل رغم أنني تمنيت ذلك. وحتى الآن لم تصل مرحلة الحبيبة. أتمنى لها من القلب السعادة وأن تجد من يقدّرها كما تستحق.

تبقى الأغنية تهمس لي: وسّع الخاطر، ولا تُقِم الضيق بيتًا في روحك. لكن بعض الفقد لا يشفى، وبعض الأغاني لا تُسمع فقط… بل تُعاش.

وهذه المرة… الوضع مختلف. الإحساس أعمق، والمشاعر أكثر صدقًا ونقاءً. لم يعد الأمر إحساسًا بحبيبة فقط، بل مزيجًا من الحب الأبوي والأخوي،من قلب تعبته هموم الزمن واهتزت دقاته، قلب لا يعرف المجاملة ولا يجيد الكذب. قالت لي ذات يوم: «أنت مميز ومختلف، وخايفة أحبك»، كلماتٌ حملت بين طياتها صدقًا واعترافًا بخوفٍ نادر، لكنها كانت بداية حب نقيّ، يتجاوز الرغبة والهوى ليصبح دفئًا وحمايةً وصدقًا نادرًا. حب لا يمنحه الزمن إلا للقليلين، ولا يعي معناه إلا من عاشه بقلب صادق وروح مثقلة بالتجارب.الفرق الوحيد كان في المظهر؛ الأولى كانت ترتدي الأسود، والأخيرة كانت ترتدي الأصفر.

مدار الساعة ـ