"بطالة الأطباء" مصطلح جديد بدأنا نسمعه كثيرا في الآونة الأخيرة، وهي ظاهرة مؤلمة ومثيرة للقلق، فقد تجاوز عدد الأطباء العاطلين عن العمل حاجز الخمسة آلاف، بحسب نقابة الأطباء، في مشهد غير مسبوق في تاريخ القطاع الطبي الأردني، فكيف يمكن معالجة بطالة الأطباء؟
من المؤلم أن يعجز طبيب أنهى سنوات طويلة من الدراسة والتدريب وتحمل أعباء مالية ونفسية كبيرة، عن إيجاد فرصة عمل تليق بمؤهلاته، وهذا يستوجب الوقوف الجاد والمسؤول عند هذه الظاهرة، فلم يعد مقبولا النظر إلى هذه الظاهرة باعتبارها مؤقتة، فهي نتاج تراكمات طويلة وسياسات تعليمية غير مدروسة.لقد تحولت دراسة الطب من خيار ينبع من الحاجة الوطنية، إلى باب مفتوح بلا ضوابط، يزدحم عبره الآلاف من الطلبة الأردنيين في جامعات داخل المملكة وخارجها، دون "رؤية شاملة" تحدد مدى قدرة السوق المحلي على استيعاب هذا التدفق السنوي، وللأسف، ما زلنا مستمرين في هذا المسار دون أن يقرع أحد الجرس.لا بد من الاعتراف بوجود خلل واضح بالتنسيق بين "مخرجات التعليم" واحتياجات السوق، وهذا ما يكشف عن غياب استراتيجية فعالة تضمن التوزيع العادل والمتوازن للكوادر الطبية، وفق معايير الحاجة للتخصص والنطاق الجغرافي، ولذلك، يجد كثير من الأطباء الشباب أنفسهم بعد التخرج في حالة من الترقب والضياع والانتظار في طوابير البطالة.تداعيات هذه الظاهرة لا تقف عند الطبيب وحده، بل تمتد لتطال أسرته ومجتمعه بل والوطن بأسره، فكل طبيب عاطل عن العمل، هو نتاج قصة تضحية طويلة، وخيبة أمل، وطاقات معطلة كان من الممكن أن ترفد القطاع الصحي بكفاءات نوعية، لو كانت هناك استراتيجية حكيمة يتم الاستناد إليها عند اختيار الدراسة ونوع التخصص.الاستمرار في هذا الوضع لن يؤدي إلا لمزيد من تراكم الأطباء الذين لا يجدون عملا، والواجب يفرض علينا، مؤسسات وأفرادا، أن نتعامل مع الملف بجدية كاملة، وأن نضع حدا لحالة الفوضى والإقبال على دراسة الطب، ولهذا يجب تنظيم أعداد الطلبة بناء على خطط مدروسة، وربط القبول في هذا التخصص الحيوي بقدرة النظام الصحي على الاستيعاب، وتحفيز القطاع الخاص، وتوفير فرص عمل للخريجين بدول شقيقة وصديقة.خلاصة القول، لا يجوز أن نستمر بإنتاج خريجين دون توفير المساحة الحقيقية للعمل والعطاء لهم، وليس بتخصص الطب فقط، بل بجميع التخصصات، فالكفاءة الطبية الأردنية يجب أن تبقى مصدر فخر لا عبئا إضافيا على الواقع الاقتصادي، وهذا لن يتحقق إلا من خلال التخطيط الصحيح، وتصحيح المسار، والصدق في مواجهة أنفسنا بما صنعته السياسات المرتجلة من أزمات ندفع ثمنها الآن، ولا نريد أن نورثها للأجيال القادمة.
'بطالة' الاطباء.. من يعالجها؟
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ