صدرت نتائج التوجيهي، وتوزعت الفرحة في بيوت الأردنيين والزغاريد بين الأحياء والحارات. لحظة إنجاز طال انتظارها، وابتسامات غمرت الوجوه بعد شهور من القلق والسهر. لكن، ما إن يهدأ صوت الفرح، حتى تبدأ معركة التفكير في السؤال الأصعب: ماذا سيدرس ابني أو ابنتي؟
كل تخصص يخطر على البال، أجد في ذاكرتي شخصاً أعرفه تخرج منه ولم يجد عملا. أستحضر وجوه الأصدقاء والأقارب، أحلامهم الكبيرة التي اصطدمت بجدار الواقع.. أقرب مثال ابنتي، التي دخلت الجامعة بمعدل جيد جدا في التوجيهي، واختارت تخصصاً جديداً وواعداً، درست أربع سنوات على أمل أن تحقق حلمها بالعمل في بنك، حلمها منذ كانت على مقاعد المدرسة. تخرجت.. تقدمت بطلبات.. انتظرت.. لكن الوظيفة التي حلمت بها لم تأتِ، ومثلها كثيرون.اليوم، جاء دور ابني. أسأل نفسي: هل أرسله إلى جامعة ليدرس أربع سنوات، ثم يجلس في البيت مثل آلاف الخريجين الذين ينتظرون فرصة قد لا تأتي؟كل مرة يسألني: "ماما، إذا درست هذا التخصص راح ألاقي شغل بعد الجامعة؟"ولا أعرف بم أجيبه. أقول له الحقيقة المرة أم أتركه يتعلق بالأمل؟المفارقة أن فرحتنا اليوم بنتائج التوجيهي، قد تتحول بعد أربع سنوات إلى جلسات انتظار طويلة في البيوت مترعة بالحسرة، حيث الشباب يجلسون يحملون شهاداتهم، يطالعون إعلانات الوظائف وكأنها أحلام على ورق.السؤال الجوهري الذي يجب أن يُطرح بجدية: هل جامعاتنا تخرّج طلاباً لسوق العمل، أم لسوق البطالة؟وأين الخطط الوطنية الحقيقية التي تربط أعداد الخريجين باحتياجات السوق؟نحن بحاجة إلى توجيه أبنائنا نحو تخصصات مطلوبة فعليا، ليست فقط على الورق أو في التصريحات، بل في الواقع العملي. تخصصات تفتح لهم أبواب العمل، لا أبواب الانتظار.لكن حتى يحدث هذا التغيير، سيبقى السؤال معلقا بين جيلين: جيل يفرح بالتوجيهي، وجيل آخر يجلس بعد التخرج يسأل نفسه: "ماذا درست.. وماذا سأعمل؟"فالأمر لم يعد مجرد اختيار بين طب أو هندسة أو إدارة أعمال، بل هو اختيار بين مستقبل منتج.. ومستقبل ينتظر على مقاعد البطالة.
الكردي تكتب: من فرحة التوجيهي إلى حيرة التخصص
مدار الساعة ـ