أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

البستنجي يكتب: حين يقود القلبُ الشاشة.. صناعة المحتوى القيمي المؤثّر في التعليم الرقمي


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: حين يقود القلبُ الشاشة.. صناعة المحتوى القيمي المؤثّر في التعليم الرقمي

مدار الساعة ـ

من لقطةٍ إلى أثر

في أحد دروسي، وبينما كنتُ أعرض مقطع فيديو عن قيمة التعاون، كان أحد طلاب الصف يجلس في المقاعد الأمامية، عيناه معلّقتان بالشاشة، وصوته متردد وهو يسأل:

"أستاذ، هل هذا حقيقي أم مجرّد تمثيل؟"

لم يكن السؤال عابرًا؛ فالطفل لم يبحث عن معلومة، بل عن إحساس، عن قصة تُشبهه، عن قيمة يراها تمشي في شوارع حياته. في تلك اللحظة، أدركت أنني لستُ مجرّد معلّم يعرض محتوى، بل مرافق تربوي يبحث عن الأثر، لا عن العرض.

في زمن الشاشات: المعلّم الأخلاقي وصناعة الأثر

في عصر الوميض الرقمي وتكاثر الشاشات، لم يعد إنتاج المحتوى التربوي حكرًا على التقنيين، بل أصبح مسؤولية المعلّم الأخلاقي، الذي يرى في كل عرضٍ فرصةً لغرس قيمة، لا لتكديس معلومات.

التعليم اليوم، كما تؤكد البنائية، والتعلم القائم على القيم، والتعلم العاطفي الاجتماعي، لم يعد تلقينًا جامدًا، بل أصبح بناءً للإنسان من خلال التجربة، والتفكير النقدي، والانخراط في مواقف حياتية تُجسّد القيم وتُترجمها إلى سلوك.

ما هو المحتوى القيمي المؤثّر؟

هو كل محتوى رقمي أو تعليمي يُنتج بهدف:

تعزيز سلوك إيجابي

ترسيخ قيمة إنسانية

تحفيز وعي أخلاقي

ويعتمد على أسس تربوية مثل:

التعلم القائم على القيم (Value-Based Education)

البنائية (Constructivism)

النظرية الاجتماعية المعرفية (Bandura)

التعلم العاطفي الاجتماعي (SEL)

إنّ دمج القيم في المحتوى الرقمي يزيد من دافعية الطلاب للتعلّم.

التحديات التي تواجه المعلّم الأخلاقي وحلولها

1. ضغط المناهج وضيق الوقت

الحل: دمج القيم داخل المحتوى الأكاديمي بدل تخصيص وقت منفصل.

2. قلّة الدعم المؤسسي لإنتاج محتوى قيمي

الحل: الاستفادة من الأدوات المجانية، وتكوين فرق عمل تعاونية بين المعلمين.

3. هيمنة ثقافة الترفيه السطحي على الطلاب

الحل: تقديم محتوى ممتع لكنه عميق، يمزج بين التشويق والرسالة.

4. غياب أدوات واضحة لقياس الأثر القيمي

الحل: استخدام استبانات قصيرة، ومناقشات صفية، وأنشطة تطبيقية.

5. الخلط بين الشكل الجذاب والرسالة العميقة

الحل: جعل الإبهار خادمًا للمعنى، لا العكس.

خطوات عملية لتصميم محتوى قيمي رقمي

⿡ ابدأ من القيمة، لا من الأداة

اسأل نفسك: ما القيمة التي أريد غرسها؟ وما السلوك الذي أريد تعديله؟

مثال: عند ترسيخ الاحترام، انطلق من موقف واقعي بالمدرسة، ثم اصنع فيديو قصير يُجسّد السلوك الإيجابي.

⿢ اجعل المحتوى يحاكي واقع الطالب

القيمة ليست شعارًا، بل موقفًا يعيشه المتعلّم.

مثال: مشهد لطالب يردّ على الإساءة بالاحترام، يليه سؤال: "ماذا ستفعل لو كنتَ مكانه؟"

⿣ اجعل الجمال خادمًا للمعنى

استخدم أدوات مثل Canva أو Powtoon، لكن لا تجعل الإبهار يطغى على الرسالة.

⿤ حفّز التفكير الأخلاقي

اطرح أسئلة مفتوحة:

هل توافق على هذا التصرف؟ ولماذا؟

ما القيمة التي ظهرت؟

⿥ انشر في بيئة آمنة

مثل: Google Classroom أو منصات رسمية بإشراف المعلم.

⿦ قِس الأثر، لا عدد المشاهدات

عبر استبانة قصيرة، أو نقاش صفي، أو سؤال مباشر: "ما القيمة التي لامستك؟"

مبدأ الأمانة العلمية والتوثيق

جزء من التربية القيمية أن نعلّم الطلاب احترام حقوق الملكية الفكرية، ونَسب الفكرة أو الصورة أو المعلومة إلى صاحبها، لأن الأمانة العلمية قيمة بحد ذاتها، وهي من أساسيات الأخلاق الرقمية.

قائمة التحقق من المحتوى القيمي

المعيار تحقق ✔

▫تحديد القيمة المستهدفة

▫تضمين موقف حياتي

▫استخدام أسلوب جاذب

▫تحفيز التفكير بأسئلة

▫النشر في بيئة آمنة

▫تقييم الأثر القيمي

دعوة للتجريب التربوي

اختر قيمة واحدة تؤمن بها، صمّم محتوى بسيطًا، ناقشه مع طلابك، استمع لآرائهم، دوّن أثره، وكرّر التجربة.

حين يقود القلب الشاشة

التقنية لا تُربي وحدها؛ بل تحتاج قلبًا يوجّهها، ونيّة صادقة تبارك العمل.

قال رسول الله ﷺ: "إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق."

فلنجعل القلب هو القائد، والقيمة هي الرسالة، والأثر في الضمير هو الغاية، فالقيم التي نزرعها اليوم في عقولهم وقلوبهم، ستُزهر غدًا في قراراتهم ومواقفهم.

مدار الساعة ـ