أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

قرقودة تكتب: حين تُزهر قرية أربعة أسماء لامعة في فضاء الدولة الأردنية في أسبوع واحد


تغريد جميل قرقودة

قرقودة تكتب: حين تُزهر قرية أربعة أسماء لامعة في فضاء الدولة الأردنية في أسبوع واحد

مدار الساعة ـ

في زاوية منسية على خريطة التواضع، حيث لا تصل الكاميرات ولا تسكن الأضواء، تتربّع "حرثا" — هذه القرية الوادعة في حضن لواء بني كنانة — بكل هدوء الواثقين، وبصمتٍ لا يعرف الادعاء، لكنها تنبض بشيءٍ أعظم من الجغرافيا: تنبض بروح الوطن في هيئة بشر، تنبض بإرثٍ من القيم تسرب من جدائل الأرض إلى أرواح أبنائها، فتشكّلت منهم قاماتٌ لا تنحني، ومسؤوليات لا تتجمّل بالمناصب، بل تتحوّل إلى رسالات حقيقية تُحمل كما تُحمل الأمانة.

في أسبوعٍ واحد، أزهرت حرثا أربعة أسماء لامعة في فضاء الدولة الأردنية:

معالي الأستاذ الدكتور نذير عبيدات، رئيس الجامعة الأردنية، الذي ترتقي المعرفة بين يديه حتى تصبح سارية الوطن وعصاه المتكئة على الحكمة.

سعادة العين الدكتور هايل عبيدات، الذي يجمع في حضوره بين ملامح الوقار ونُضج الحكمة، فيرسم على قسمات السياسة هدوءَ العقلاء.

معالي الدكتور أيمن العقلات، وزير البيئة، ابن التراب والماء، الحارس على توازن الطبيعة والمُفوَّض بأمانة الجغرافيا.

عطوفة الدكتورة رنا عبيدات، مديرة الغذاء والدواء، حيث تلتقي المهنة بالرسالة، وتصبح الصحة عنوانًا للضمير، والعلم وسيلة للشفاء.

وهنا لا يغيب عن الذاكرة ذلك الاسم الذي نحت في ذاكرة الوطن أثرًا خالدًا: دولة الأستاذ أحمد عبيدات، الذي كان للوطن ابنه وراعيه، وللقيم حصنًا، وللثوابت بوصلتها التي لا تميل.

ليس من باب المصادفة أن تنجب بلدة واحدة هذا العدد من الرموز المؤثرة. فالتاريخ لا يصنعه الترف، بل تصنعه الجذور حين تُسقى بالإخلاص، وتُربّى على الصدق، وتُعلّم أبناءها أن المجد لا يُورث، بل يُكتسب، وأن القامة تُقاس بعطائها، لا بعنوانها الوظيفي.

وها هي حرثا، تُحدّثنا بلسان الأرض التي لا تخون، أن القرى الصغيرة قد تنام في الظل، لكنها تحلم في النور، وتُخرِج في صمتها قادةً يحملون في قلوبهم الوطن كما يحمل الجذر سرّ الشجرة كلها.

حتى أولئك الذين دخلوا حرثا عبر المصاهرة، مثل معالي المهندسة وسام التهتموني، وزيرة النقل السابقة، لم يخرجوا منها إلا وقد حملوا بعضًا من روحها، وبعضًا من طينها، وبعضًا من ذلك الانتماء الدافئ الذي لا يُعطى على الورق، بل يُزرع في القلب كحُبٍّ لا يُفسَّر.

ليست العظمة في أن يُولَد المرء في قرية مشهورة، بل أن يجعل من قريته شهرةً يُشار إليها بالبنان. فالمكان لا يخلّد الإنسان، بل الإنسان هو من يمنح للمكان خلوده، يصنع منه ذاكرة تُروى، وقصة تُقال، ودروسًا تُتوارث. و"حرثا" لم تعد مجرد اسمٍ في دفتر الجغرافيا، بل أصبحت فكرة: أن تُزرَع البذور في صمت، وتُروى بإخلاص، وتثمر وفاءً، ويأتي الوطن ليقطفها وهو مطمئن إلى جودتها الأخلاقية أولًا.

في زمنٍ يزدحم بالصوت والضوء والمظهر، تقدّم لنا حرثا درسًا فريدًا في الصمت الذي يصنع المجد، في التواضع الذي يبني الأوطان، في الأخلاق التي لا تحتاج بهرجة لتُرى. فالنبل لا يُعلن عن نفسه، بل يُرى في الأثر، في الثمار، في السيرة التي تسبق الاسم.

فيا حرثا، يا من سكبتِ في أبنائكِ حبّ الوطن مع الحليب، يا من علمتِ أبناءكِ أن المنصب ليس مكافأة، بل تكليفٌ يُحمل على الظهر كما يحمل الفلاح محراثه، اليوم لا نحتفل فقط بمن وصلوا، بل نحتفل بكِ… لأنكِ وصلتِ معهم.

في النهاية، لستِ مجرد قرية… بل فلسفة.

فلسفة تقول إن العمق لا يقاس بالمساحة، وإن البذرة الصالحة تنبت حتى في التربة القاحلة، متى ما سقتها القيم. وإن الأصل ليس في عدد الأبنية، بل في عدد الأيادي التي تتربى على خدمة الناس.

في زمنٍ يُفتَقد فيه الأمل… تبقين أنتِ الأمل.

مدار الساعة ـ