أصبح الدين حجة، وأضحت السياسة وسيلة، وصار المجتمع تائها بينهما.. في مجتمعنا، تتكرر مشاهد التناقضات اليومية بشكل يصعب تجاهله. نرفع شعار الدين، ونتمسّك ظاهريًّا بالعبادات والمظاهر الدينية، ولكن في الممارسة نرى الغش والكذب والظلم في الأسواق والدوائر والمؤسسات، وكأن الدين بات غطاءً لأفعال شنيعة...
نردد شعارات رنانة عن المواطنة والانتماء، ونطالب بحقوقنا كاملة، لكننا نتجاهل الواجبات، ونتنصل من القانون بدلا من أن نحترمه، ونحمّل الدولة الأخطاء كلها دون أن نمارس مسؤوليتنا الفردية.. نُدين الظلم، ثم نمارسه إذا أتيح لنا. نُهاجم القمع، ثم "نسحق" من يخالفنا الرأي. نستنكر الشتم، ثم نملأ وسائل التواصل بالسباب، والأدهى والأمر.. أن العيب غالبًا ما يتغلب على الحرام؛ نخاف من كلام الناس أكثر من خوفنا من خالق الناس، ونُراقب المظهر وننسى الجوهر.في السياسة، نعيش التناقض ذاته...الأردني ناقدٌ ممتاز، يحفظ تفاصيل المشهد العام، ويُحلّل كل قرار حكومي، ويُهاجم الفساد بلا هوادة. لكنه في لحظة الفعل، كثيرًا ما يُعيد إنتاج النظام نفسه الذي يُدينُه. يُشارك في الانتخابات بعقلية عشائرية لا برامجية، ويمنح صوته بناءً على القُربى لا على الكفاءة، ويصفق للمسؤول "لأنه من جماعتنا"، ثم يهاجمه هجومًا شرسًا إن لم يكن كذلك، حتى وإن فعل الشيء نفسه. هذه الازدواجية في المعايير تُنتج مجتمعًا مأزومًا أخلاقيًّا، يعيش وفق نظامين: واحد علني للتمثيل، وآخر خفيّ.. بعيد كل البعد عن الواقع. مجتمعنا صادق النية، ولكنه تائه الوجهة، يكرر الخطأ لا حبًّا به، بل لأن الجميع يفعله. السؤال الجوهري.. هل نحن كما ندّعي؟ وهل نمارس ما نؤمن به؟المواطنة ليست بطاقة، والدين ليس مظهرًا، والانتماء ليس شعارًا. بل هي كلها أفعال تُختبر حين لا يراك أحد!!
عاشور يكتب: الأردنيون.. بين ما يُمليه 'الضمير' وما يفرضه 'الواقع'
مدار الساعة ـ