في ظل التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية، ووسط تسارع التحولات التكنولوجية والصناعية في العالم، بات من الضروري أن تتبنى المملكة الأردنية الهاشمية نهجًا صناعيًا جديدًا يحقق النمو الشامل والمستدام، ويعزز مكانتها الإقليمية في سلاسل القيمة الصناعية. ومن هذا المنطلق، جاءت "رؤية الأردن الصناعية 2035" كخارطة طريق وطنية مقترحة شاملة ومتكاملة وطموحة لإعادة هيكلة وتطوير القطاع الصناعي الأردني على مدى السنوات العشر القادمة. هو ليس بالحلم وأنما واقع يمكن لهذا الوطن ان يحقق ما حققته دول عظمى ليس لديها موارد طبيعية وأنما موارد بشرية قادرة على "النحت بالحجر". الأردن اليوم قادر ان ينافس دول كثيرة بمنتجاتها في شتى المجالات بدايتها رحلة تحول صناعي عميقة، تنسج خيوطها من رحم أزمة سياسية واقتصادية في الشرق الأوسط. هذه الخيوط يمكنها اليوم ان تطرز مشهد صناعي يتميز بالتنوع، والاعتماد على الذات، والطموح في قيادة ثورة تكنولوجية في المنطقة.
تطمح هذه الرؤية إلى مضاعفة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى ربع الاقتصاد الوطني بحلول عام 2035، وخلق أكثر من 150 ألف فرصة عمل صناعية جديدة، ورفع حجم الصادرات الصناعية إلى الضعف مقارنة بالمستوى الحالي. كما تسعى إلى تحقيق التحول الرقمي الشامل في غالبية المنشآت الصناعية، وخفض استهلاك الطاقة في القطاع بما يعزز من كفاءته واستدامته والأعتماد الأكبر على مصادر الطاقة التجددة بكافة انواعها ومصادرها.ترتكز الرؤية على دعم القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وفي مقدمتها الصناعات الدوائية، والصناعات الكيميائية والمنظفات، والتصنيع الغذائي الزراعي، إلى جانب الصناعات المرتبطة بالطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات والدفاع. ويجري العمل على تطوير مناطق صناعية متخصصة، وإنشاء تكتلات إنتاجية متكاملة في عدة مدن من الشمال الى الجنوب بما يساهم في تخفيض التكاليف وتحفيز الاستثمار. كذلك يجب الأستفادة اكثر من الموارد الطبيعية مثل الفوسفات والبوتاس وغيرها من المعادن المكتشفة والغير مكتشفة وعمل اسعار تفضيلية حقيقية لنهضة صناعات متعددة مثل الأسمدة والأملاح وبعض الصناعات الكيماوية مما يرفع القيمة المضافة لهذه المنتجات عن طريق تشغيل الأيدي العاملة المحلية ورفع القدرات الأنتاجية وتطير هذه المنتجات بما يتلائم مع المستوى العالمي لهذه المنتجات.التحول الرقمي يحتل موقعًا مركزيًا في هذه الرؤية، حيث يتم تشجيع المصانع على تبني التقنيات الصناعية الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي الذكي، وذلك بهدف تعزيز الكفاءة وتقليل الفاقد وتحسين الجودة. ويدعم هذا التحول جهود البحث والتطوير من خلال شراكات بين المؤسسات الأكاديمية والمصانع ودعم وتطوير الأبحاث المشتركة ودعم المؤسسات التعليمية العالية لتواكب هذه الرؤية الصناعية المستقبلية. وإنشاء صندوق يضم شراكات حكومية وخاصة لدعم الابتكار الصناعي المحلي.وفي الجانب البشري، تضع الرؤية نصب أعينها ضرورة تأهيل الكفاءات الوطنية وتطوير المهارات الفنية من خلال دعم التعليم المهني والتقني، وتأسيس أكاديمية صناعية وطنية متخصصة، تقدم برامج تدريبية متقدمة تلبي احتياجات المصانع، وتواكب التطورات التقنية العالمية. هذه الأكاديمية يكون لها فروع في المدن الصناعية الرئيسية وذلك لتأهيل الكادر البشري اكاديميا وصناعيا.اما من الناحية المالية، تهدف الرؤية إلى تسهيل الوصول إلى التمويل الصناعي من خلال إنشاء صندوق تنموي وطني يوفر قروضًا طويلة الأجل بفوائد ميسرة ويجمع هذا الصندوق الصناديق الأخرى الحالية، ويمنح ضمانات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى تحفيز رؤوس الأموال الجريئة للاستثمار في الصناعات الواعدة. كذلك يجب اعادة النظر في الحوافز الضريبية للشركات التي تقوم بتصدير منتجاتها الى الخارج وعمل شرائح تحفيزية لهذه المشاريع. ولا يغيب الجانب البيئي عن أولويات هذه الرؤية، حيث يتم التوجه نحو دعم حلول الطاقة المتجددة في المصانع، وتشجيع مشاريع إعادة التدوير وتحلية المياه الصناعية، بهدف تقليل الأثر البيئي وتحقيق الاستدامة الصناعية على المدى البعيد. تُنفذ هذه الرؤية من خلال تشكيل مجلس وطني للصناعة يضم ممثلين عن القطاعين العام والخاص والخبراء، يتولى متابعة الأداء وتقييم التقدم بشكل دوري، إضافة إلى إصدار تقرير سنوي يعرض النتائج ويقترح التحسينات اللازمة. كذلك يجب ان يكون منصة رقمية واحدة تجمع جميع ما ذكر وما يلزم لتحقيق هذه الرؤية الواحدة والواعدة من معلومات استثمارية وحكومية ومشاريع استثمارية خاصة موجهة للمستثمرن والصناعيين واصحاب رؤوس الأموال بالأضافة الى المهتمين من المواطنين الذين يبحثون عن فرص لتطوير انفسهم اكاديميا والبحث عن فرص عمل بالأضافة الى جذب القدرات البشرية النابضة.إن "رؤية الأردن الصناعية 2035" تمثل خطوة تاريخية نحو بناء اقتصاد إنتاجي تنافسي ومستدام، يستند إلى المعرفة والتكنولوجيا، ويعزز من مكانة الأردن إقليميًا وعالميًا. هي ليست فقط خطة حكومية، بل هي دعوة وطنية لإعادة تموضع الأردن كـ"محور صناعي ذكي" في المنطقة، بالأضافة الى انه مشروع وطني جامع، يعكس طموح جلالة الملك وحكومته والشعب الأردني في استعادة الريادة الصناعية وصناعة مستقبل مشرق للأجيال القادمة. فهل نحن مستعدون لصناعة المستقبل؟
أبو عيطة يكتب: مشروع 'رؤية الأردن الصناعية 2035'.. نحو اقتصاد إنتاجي ذكي ومستدام
الدكتور جورج طناس ابوعيطه
أبو عيطة يكتب: مشروع 'رؤية الأردن الصناعية 2035'.. نحو اقتصاد إنتاجي ذكي ومستدام
مدار الساعة ـ