أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

النعيمات يكتب: التعديل الوزاري ونهج التحديث السياسي


أ.د.أسامة أحمد النعيمات
جامعة فيلادلفيا

النعيمات يكتب: التعديل الوزاري ونهج التحديث السياسي

أ.د.أسامة أحمد النعيمات
أ.د.أسامة أحمد النعيمات
جامعة فيلادلفيا
مدار الساعة ـ

جاء التعديل الحكومي الذي أجراه دولة الدكتور جعفر حسان مؤخرًا، في ظرف سياسي دقيق، وفي توقيت طرح العديد من التساؤلات حول مدى انسجام هذا التعديل مع نهج التحديث السياسي الذي تتبناه الدولة الأردنية منذ سنوات. فقد تم التعديل دون مشاورة الكتل النيابية أو القوى الحزبية والسياسية، وفي ظل غياب مجلس النواب عن الانعقاد، الأمر الذي أثار انتقادات مشروعة حول شكل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وموقع الأحزاب في معادلة الحكم وصناعة القرار.

لقد أكدت الوثائق المرجعية للدولة الأردنية، وفي مقدمتها وثيقة التحديث السياسي ومخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، على ضرورة تعزيز الحياة الحزبية، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام، وتكريس مبدأ التشاور بين السلطات في القضايا المفصلية، ومنها تشكيل الحكومات أو إجراء التعديلات الوزارية. كما أن روح الدستور الأردني تميل إلى تكريس فكرة التعاون والتوازن بين السلطات، لا الانفراد أو الاستئثار بالقرار.

لكن ما حدث في هذا التعديل يعاكس تلك المبادئ. إذ تمت إعادة تشكيل الفريق الوزاري بمعزل عن الكتل النيابية، بل في فترة خارج دور الانعقاد، ما يعني تغييب دور الرقابة البرلمانية حتى على مستوى إبداء الرأي أو التشاور، فضلًا عن تغييب الأحزاب السياسية التي يُفترض أنها تمثل الإرادة الشعبية، لا سيما في ظل قانون الأحزاب الجديد الذي شُرّع خصيصًا لدعم الأحزاب وتمكينها.

إن هذا الإجراء يعكس استمرار عقلية “الحكومة الإدارية” التي تعمل بمنأى عن القوى السياسية، ويؤشر إلى ضعف الإرادة الحقيقية في تمكين الأحزاب أو ترسيخ ثقافة العمل الجماعي والتشاركي. بل ويمكن اعتباره رسالة سلبية موجهة للنخبة السياسية والمجتمع، مفادها أن التحديث السياسي لا يزال حبيس الأدراج أو ورقًا لا يطبق على أرض الواقع.

ولعل الأخطر في ذلك، أن الإصلاح السياسي لا يمكن اختزاله في النصوص القانونية فقط، بل هو ثقافة وممارسة يومية داخل مؤسسات الدولة. فكيف يمكن لحكومة تُعد رأس السلطة التنفيذية أن تُقصي الأطراف السياسية من مشاورات تعديلها الوزاري، ثم تتحدث عن إشراك الأحزاب في المستقبل القريب؟ وكيف يمكن إقناع الشارع بجدوى العمل الحزبي والنيابي، إذا كانت التغييرات الكبرى تُتخذ دون حتى إعلامهم، فضلًا عن مشاورتهم؟

إن التعديل الحكومي الأخير يُعد نموذجًا حيًا لغياب التشاركية السياسية، ويؤكد أن التحدي الحقيقي أمام التحديث السياسي في الأردن ليس في القوانين أو النصوص، بل في الممارسات السياسية القائمة. وإذا أرادت الدولة الأردنية أن تمضي قدمًا في مشروعها الإصلاحي، فعليها أن تترجم تلك النصوص إلى سلوك ونهج جديد، يبدأ من احترام دور مجلس النواب، وتمكين الأحزاب، وتوسيع دائرة الحوار، خاصة عند اتخاذ قرارات مفصلية تمس الشأن العام، كتشكيل الحكومات أو تعديلها.

فالتحديث السياسي لا يعني فقط تحسين صورة الدولة أمام المجتمع الدولي، بل يعني أولًا وأخيرًا تعزيز ثقة المواطن بمؤسساته، وتحقيق شراكة حقيقية لا وهمية في إدارة البلاد.

والله من وراء القصد..

مدار الساعة ـ