أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات خليجيات دين مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

نصير تكتب: عندما تصمت الكفاءة ويتكلم اللقب


د. نوال محمد يوسف نصير

نصير تكتب: عندما تصمت الكفاءة ويتكلم اللقب

مدار الساعة ـ

في زمن التحوّل الرقمي، والتكنولوجيا الذكية، والحديث المستمر عن الكفاءة والجدارة والاستحقاق... لا تزال بعض المؤسسات تُدار بعقلية قديمة تُعلي من اللقب، وتُقصي أصحاب الإنجاز الحقيقي. في تلك البيئات، قد يُبنى القرار على من «يحمل المسمى» لا من «يصنع الفكرة». وهكذا، نصحو على مشهد مألوف: موظف يؤدي بإبداع لا يُرى، ومسؤول يتحدث دون أثر يُقاس.

إن إدارة الأعمال الحديثة لم تعد تقيس الأداء بالمكانة الإدارية فقط، بل أصبحت ترتكز على الذكاء الإداري القائم على البيانات، التحليل، والرؤية. لم تعد الكفاءة مجرد مهارة مكتسبة، بل أصبحت ميزة استراتيجية تمكّن المنظمات من البقاء والمنافسة. ومع ذلك، هناك من ما زال يُقدّم المجاملة على الجدوى، والشكل على المضمون، واللقب على العطاء.

في بعض مؤسساتنا، قد يحمل أحدهم لقب "مدير" أو "رئيس قسم"، لكنه يفتقد لأبسط قواعد القيادة، لا يُجيد تحفيز فريقه، ولا يتقن اتخاذ القرار في الوقت المناسب. وعلى الجانب الآخر، ترى موظفًا يملك الرؤية، ويقود الفرق من خلف الكواليس، دون أن يُنصفه الهيكل الإداري، فقط لأنه لا يحمل "اللقب المناسب".

هنا تظهر مفارقة قاتلة: عندما تُصمت الكفاءة، يُصاب الأداء المؤسسي بالشلل، وتفقد بيئة العمل روحها، ويُصاب المبدعون بالإحباط، ويتحول الحماس إلى صمت مرير.

لقد بات واضحًا أن مستقبل المؤسسات الناجحة، سواء كانت حكومية أو خاصة، لن يُبنى على الأقدمية أو العلاقات، بل على من يستطيع الابتكار واتخاذ القرار الذكي في الوقت الذكي. هذا ما تؤكده تقارير الإدارة الحديثة، وما يفرضه الواقع المعقد الذي نعيشه. فحتى الذكاء الاصطناعي اليوم لا ينجح إلا إذا وُظّف ضمن بيئة تؤمن بالكفاءة والشفافية والنتائج.

نحن بحاجة إلى نقلة ثقافية داخل مؤسساتنا، نقلة تعيد ترتيب المفاهيم، وتستبدل منطق "من هو الأعلى" بمنطق "من هو الأجدر". نحتاج إلى قيادات تحتضن الكفاءات لا تُقصيها، تُمكّن لا تُثبّط، وتبني لا تُهمّش. لأن أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي منظمة، هو أن تُحكم بألقاب فارغة، بينما تهاجر منها العقول اللامعة بصمت.

في الختام، لا قيمة للقب لا يُترجم إلى أثر. ولا معنى لمنصب لا يُفضي إلى تغيير. الكفاءة ليست شيئًا يُشترى أو يُمنح، بل تُثبتها المواقف والنتائج والاحترام الذي تفرضه، حتى من دون أن تتحدث.

مدار الساعة ـ
story