أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات مغاربيات خليجيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الأردن ومتطلبات عبور المستقبل: الانتماء، المعرفة، الحكمة!


د. زيد احسان الخوالدة

الأردن ومتطلبات عبور المستقبل: الانتماء، المعرفة، الحكمة!

مدار الساعة ـ

في لقاءٍ شهير، قال المرحوم حابس المجالي ردًا على سؤال وفد أجنبي عن حاجات الأردن من الأسلحة: "نحن مكتفون من جانب السلاح، ولكن ما نحتاجه هو بناء جامعات قوية، لأن الجامعات هي التي تُخرج الإنسان القادر على تصنيع السلاح وصنع المستقبل." تعكس هذه الكلمات رؤية استراتيجية عميقة تؤكد أن قوة الأمة الحقيقية لا تُقاس فقط بالعتاد العسكري، بل بالبناء المعرفي والإنساني الذي يُمكّن الوطن من الاعتماد على نفسه.

في ظل تقلبات السياسة والاقتصاد الإقليمي والدولي، يظل السؤال الأهم: كيف نبني مجتمعًا مستقرًا ومتقدمًا من داخله؟ الجواب يكمن في ثلاث ركائز أساسية لا يمكن أن يستقيم البناء دونها: الانتماء الحقيقي، الاستثمار في المعرفة والإنتاج، والحكمة السياسية.

الانتماء الوطني يجب أن يكون أكثر من شعارات وترديد، فهو سلوك يومي ينبع من إيمان راسخ بالله، ومنهج وسط لا غلو فيه، يقود إلى محبة الناس وتحقيق العدالة. المواطن المنتمي يزرع الخير في وطنه ويحميه بأمانته وعمله، ويرى في المختلف شريكًا لا خصمًا.

ولن تنهض الأمة بدون منظومة تعليمية حديثة تحفز الشباب على الإنتاج والعمل التقني والمهني، مع الحفاظ على التوازن بتطوير المهارات الإنسانية والثقافية، التي تمنح الإنسان عمقًا ووعيًا ضروريًا للحياة، وتقيه الانحراف.

الزراعة ليست قطاعًا ثانويًا، بل هي ركيزة للأمن الغذائي والاجتماعي والاقتصادي، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بملفات أساسية مثل الطاقة والمياه والنقل. للأسف، كثيرون يعانون من ارتفاع أسعار الخضار والفواكه والتي تكون في بعض الأحيان من النخب الثاني، وهذا يدعو إلى تعزيز دعم القطاع الزراعي وتحسين سياسات التوزيع.

ومن المهم أيضًا عدم إغفال دور السياحة، التي تشكل ركيزة اقتصادية واجتماعية مهمة. غير أن السياحة في الأردن تواجه تحديات، لا سيما في مجال الترويج وتنشيط السياحة الداخلية. السياحة ليست مجرد إنفاق مالي، بل هي ثقافة تتطلب فهمًا عميقًا لاحتياجات المواطن، وظروفه المعيشية، ورغباته في السفر والترفيه. لذلك، يجب العمل على تحسين البنية اللوجستية للسياحة الداخلية، وتأمين فرص تتناسب مع أوضاع المواطنين المختلفة، ما يعزز الانتماء الوطني وينشط الاقتصاد المحلي لأن البديل للمواطن موجود خارج البلاد..

على صعيد الإدارة المالية، من الضروري أن تتوجه الحكومة إلى آليات أكثر استدامة وفعالية لتوفير الميزانية، بدلاً من الاعتماد المفرط على إيرادات المخالفات، مع تقديرنا الكامل لضرورة تنظيم المرور والحفاظ على السلامة لتفادي الحوادث. من ضمن هذه الآليات، إعادة النظر في هيكلة شركات التأمين والعمل على ضمان إنصاف المواطن، ما يعزز من ثقة الجمهور ويخفف العبء المالي عليهم، ويخلق سوقًا تأمينية صحية تسهم في الاستقرار المالي والاجتماعي. وهناك موت للأسواق القديمة والتي هي ظاهرة نادرة جداً ومن أسبابها هو نظام الجباية فيما يسمى الاتوبارك وعلى العكس من ذلك يجب تشجيعها والاحتفاظ بها كقيمة.

في المجال الدفاعي، أظهر الأردن قيادة استثنائية تحت رعاية جلالة الملك عبدالله الثاني، بتأسيس مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير، الذي عزز القدرات المحلية وفتح أبوابًا للتصدير. هذا يعكس رؤية وطنية لتقليل الاعتماد على الخارج، وتعزيز الابتكار الوطني.

العالم اليوم يشهد صراعات ليست فقط عسكرية بل تقنية واقتصادية، كما ظهر جليًا في الحرب بين أوكرانيا وروسيا، حيث برزت التكنولوجيا السيبرانية والمسيرات كعوامل حاسمة. على الأردن أن يستثمر في التكنولوجيا والابتكار ليظل قويًا في مواجهة التحديات.

ولا يمكن إغفال أهمية الحكمة السياسية التي تميزت بها القيادة الهاشمية، فهي الركيزة التي تحافظ على تماسك الدولة واستقرارها في ظروف متقلبة. حسن التعامل مع الناس يعكس عمق القيادة ونجاحها في إدارة الدولة.

في ظل تحولات إقليمية ودولية متسارعة، يظل الأردن نموذجًا للثبات بفضل قيادته الحكيمة. العمل الوطني المتواصل يهدف إلى سد الفجوات وتعزيز القدرات الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على الأمن الغذائي والتعليم والبنية التحتية.

نجاحات الأردن خلال العقد الماضي في إدارة التحديات الأمنية، خاصة على الحدود الشمالية، تعكس جاهزية الدولة وقدرتها على التكيف مع الأزمات. مع بوادر استقرار الأوضاع في سوريا، يُنتظر أن يشهد الأردن فرصًا أوسع للتعاون الإقليمي والنمو الاقتصادي.

المعركة اليوم ليست فقط عسكرية، بل اقتصادية وتقنية. لذلك، يجب على الدولة توفير مقومات صمود مستدامة عبر تأمين احتياجات المواطنين وتنويع الاقتصاد. المستقبل لمن يبني ويستثمر بحكمة، والأردن مستعد للمواجهة والتحول إلى مركز قوة إقليمية.

في الختام، البناء الوطني يتطلب انتماءً صادقًا، وعلمًا منتجًا، وحكمة سياسية متزنة. هذه المعادلة تجعل الأردن قادرًا على مواجهة الأزمات والتقدم بثبات نحو مستقبل أفضل.

مدار الساعة ـ
story