هناك إشارات خفيّة يضعها الله في قلب المؤمن الصادق، تُشبه النور الذي يكشف له بعض الحقائق من وراء الحُجب. يسمونها فراسة القلب؛ تلك الفراسة التي لا تقوم على الظن ولا على التكلّف، بل على صفاء الروح ونقاء السريرة ويقظة الضمير.
إنّها ذلك الشعور الأول الذي يتسلّل إلى النفس لحظة مواجهة موقف أو شخص أو حدث. قد نتجاهله أحيانًا، ونحسبه مجرّد وهم أو سوء ظن، لكنّ الأيام تدور لتكشف لنا أن القلب كان على حقّ منذ البداية. وهذا ما عبّر عنه العلماء بقولهم: فراسة المؤمن حقّ.
وقد قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في معنى ذلك:
"إن الله يعطي المتقي فراسة يميّز بها حتى بين الناس، فبمجرد أن يرى الإنسان يعرف إن كان صادقًا أو كاذبًا، برًا أو فاجرًا."
هذه الفراسة لا تُشترى بعلمٍ ولا تُكتسب بخبرةٍ دنيوية، بل هي عطية ربانية جزاؤها التقوى. فكلما ازداد العبد صدقًا مع الله، صقلت التقوى قلبه، وزاد صفاؤه حتى يُصبح مرآة تعكس له بواطن الأمور قبل ظواهرها.
إنها فراسةٌ لا يدركها أهل الحيلة ولا أصحاب المكر، بل يخصّ الله بها من طهّرت قلوبهم، ليكونوا على نورٍ من ربّهم، يهديهم إلى ما فيه الخير، ويحذّرهم مما يُخفي الشر.
فليحرص المرء على صفاء قلبه، وليكن تقيًا في سرّه وعلنه، فإن للتقوى أنوارًا، وللمؤمن فراسة لا تخيب.

الضمور يكتب: فراسة القلب.. نور المتقين
مدار الساعة ـ