نماذج البناء والتشغيل والتملك (BOT) خيار اقتصادي فعّال أثبت جدواه، إذ إن مطار الملكة علياء الدولي هو المثال الأبرز محليًا، حيث شكّل نجاحه نقطة تحوّل في تطبيق الخصخصة بطريقة مستدامة لا تُفرّط في الأصول العامة، مما يعني أن نموذج BOT لا يعني بيع الممتلكات الوطنية، بل يتيح للقطاع الخاص الاستثمار والبناء والتشغيل لفترة محددة، تعود بعدها ملكية المشروع بالكامل للدولة.
مطار الملكة علياء تحول إلى بوابة جوية تليق بالأردن، وزادت عائداته بفضل كفاءة الإدارة الخاصة، دون أن تتحمل الحكومة كلفة الإنشاء أو التشغيل، فهذا النجاح يطرح تساؤلًا طبيعيًا: إذا كان هذا النموذج أثبت جدارته في مشاريع معقدة كالمطارات، فلماذا لا يُطبق على قطاعات أخرى مثل التعليم؟
المدارس الحكومية، على سبيل المثال، تعاني من نقص في المرافق، وتراجع في جودة البنية التحتية من حيث الصيانة وإدخال التقنية الحديثة إليها، لا بسبب غياب الرؤية، بل لضعف الموارد المالية، فماذا لو تم استقطاب شركات استثمارية لبناء وتشغيل المدارس لمدة محددة، على أن تعود ملكيتها للدولة، وتدار إداريا وتعليميا من قبل كوادرها الوطنية؟ هذا الطرح ليس نظريا، بل هو استمرار طبيعي لما بدأ بالفعل في قطاع الصحة.
الحكومة بدأت بالفعل تتوسع في هذا الاتجاه، كما يظهر في توقيع اتفاقيتين الأولى تتعلق بإنشاء مستشفى مادبا الحكومي الجديد، وجرى توقيعها بين الحكومة الأردنية وشركة "كي بي دبليو" للاستثمار، التي يرأس مجلس إدارتها سمو الأمير خالد بن الوليد، إذ إن المستشفى سينفذ بنظام التأجير التمويلي، ما يعني أن الشركة ستتولى البناء والتمويل والتجهيز، بينما تحتفظ الحكومة بالإدارة الصحية بالكامل، وبعد عشر سنوات، تنتقل ملكية المستشفى إلى الدولة دون مقابل، ما يجعل المشروع مزيجًا بين الاستثمار الخاص والحفاظ على الملكية العامة.
أما الاتفاقية الثانية، فتم توقيعها بين القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، وشركة "فرح الأردن للمدن الذكية"، وهي شركة تابعة للقوات المسلحة تمتلك فيها شركة "كي بي دبليو" 49 % من الأسهم، فهذه الاتفاقية تُعنى بالتحول الرقمي في المستشفيات التابعة لمديرية الخدمات الطبية الملكية، وتبلغ قيمتها 45 مليون دينار، وبموجبها، سيتم تحديث البنية التحتية الرقمية في المستشفيات، بما يشمل الملفات الطبية وأنظمة الإدارة والتشغيل، في خطوة تعزز كفاءة الخدمات الصحية وتفتح الباب أمام استدامة أكبر في الإدارة.
هاتان الاتفاقيتان تمثلان تطبيقا عمليا للفكر الاقتصادي الجديد، الذي يرى في القطاع الخاص شريكا لا بديلا، وفي التمويل الذكي بديلا عن الاقتراض أو الانتظار، فالقانون الذي أقر عام 2016 لإنشاء صندوق الاستثمار الأردني كان حجر الأساس لهذا التوجه، فقد سمح الصندوق بتأسيس شركات شراكة مع مؤسسات عربية وعالمية، من بينها مشاريع مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وصندوق ADQ الإماراتي، وشركات محلية.
والسؤال الذي يُطرح اليوم: ما الذي يمنع تكرار هذه التجربة في قطاع التعليم؟ لا يوجد عائق قانوني أو إداري حقيقي، بل هناك بيئة تنظيمية جاهزة وشركاء محتملون لديهم الاستعداد والتمويل، فالتوسع في تطبيق نموذج BOT في بناء المدارس سيخلق فرص عمل، ويحسن بيئة التعلم، ويوفر على الدولة مئات الملايين، ويضمن استمرار الرقابة وجودة الخدمة.
الفرصة متاحة، والأدوات جاهزة، والنجاحات السابقة تشهد، فكل ما نحتاجه الآن هو إرادة تنفيذية واضحة لخطوة جريئة نحو المستقبل.

مستشفى مادبا.. هذه البداية
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ