أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الكابتن شقمان يكتب: يا أهل غزة سامحونا


الكابتن أسامة شقمان

الكابتن شقمان يكتب: يا أهل غزة سامحونا

مدار الساعة ـ

لم أتناول الطعام منذ يومين…

لا لأنني جائع ولا أملك ما آكل، بل لأن ألمًا في ضرسٍ أرهقني، ففقدت شهيتي للماء والطعام.

وجعٌ صغير جعلني أستسلم، أعتذر عن كل وجبة، وأهرب من كل طعام.

يومان فقط من الألم… أزعجاني، أتعباني، هزّا راحتي.

لكن هناك، في غزة… الجوع ليس ليومين، ولا لأسبوع. هناك، الجوع صار رفيقًا دائمًا… عامان إلا قليلًا من الموت البطيء.

غزة…

هناك، لا يوجد مخدّرٌ للروح.

هناك، لا تُعالج الجراح، بل تُوارى مع الأجساد الطاهرة.

هناك، لا يُستخرج الألم من الجسد، بل يُغرس في التراب، مع ضحكة طفلٍ مات من الجوع، لا من الحرب.

أنا هنا أغلق فمي من وجعٍ في سنّ،

وهم هناك… لا يجدون ما يفتحون به أفواههم أصلاً.

تذكرتُ أنني، رغم ألمي، ما زلت أملك ماءً لا يُمنع، وطعامًا إن استطعت ابتلاعه، وسريرًا لا يهتزّ بانفجار.

أما هناك…

تخيّل طفلًا في غزة… لم يأكل، لا منذ يومٍ أو يومين، بل منذ أيامٍ أو أسابيع أو شهور…

ليس لأنه مريض، بل لأنه ببساطة لا يجد شيئًا يُؤكل.

أمٌّ تحتضن صغيرها المُحتضِر، تبحث في عينيه عن بقايا حياة، ولا تملك سوى دموعها ووجعها الصامت.

وطفل آخر… يُدفن، لا بسبب قذيفة، بل لأنه مات جوعًا!

في عام 2025… زمن الذكاء الاصطناعي، والمركبات التي تهبط على المريخ، والهواتف التي تفهم حديثك…

يموت أهلنا في غزة لأنهم لا يملكون رغيفًا ولا شربة ماء.

وأنا؟

أنا هنا أشعر بالخجل… بل بالقهر!

أعيش في دفءٍ وأمان، لا أسمع أزيز الطائرات، ولا أعرف طعم الحصار.

الطعام أمامي، والماء باردٌ في ثلاجتي…

لكن قلبي محاصر، وضميري غائب.

أشعر بالخجل من كل وجبةٍ لم أقدّرها، ومن كل صمتي الذي صار جريمة،

ومن كل لحظةٍ اخترتُ فيها الراحة، بينما هناك من لا يملك حتى رفاهية الألم.

أشعر بالخجل من صمتي… من عجز كلماتي… من كوني شاهد زور على المجاعة، على الإبادة، على خذلانٍ جماعي.

غزة لا تموت بالقنابل فقط… بل بالجوع.

هناك، تُشنّ حربٌ على الحياة ذاتها، على الأطفال، على المرضى، على من ما زال يتشبث ببقايا الحياة في وجه الموت.

كيف؟

كيف يموت الأطفال جوعًا في القرن الحادي والعشرين؟

أين أنتم يا من تتغنّون بالإنسانية؟

أين أنتم يا أصحاب القرارات والأقلام والضمائر؟

وأين نحن؟ نحن الذين نشاركهم الدين، واللغة، والدم؟

نحن الذين اكتفينا بالبكاء خلف الشاشات، ودفنّا إنسانيتنا مع صمتنا الطويل.

يا أهل غزة…

سامحونا.

نحن الذين خذلناكم مرةً بعد مرة،

نحن الذين انشغلنا بآلامنا المؤقتة، ونسينا أن وجعكم لا يأخذ إجازة.

سامحونا…

فقد فقدنا ليس فقط ضميرنا، بل شرف الوقوف معكم.

وفي زمنٍ يموت فيه الأطفال من الجوع، لا تُقاس الإنسانية بكلماتنا، بل بمواقفنا.

والصمت في وجه الظلم… ليس حيادًا، بل خيانة.

كابتن اسامه شقمان

.

مدار الساعة ـ
story