دعوة لتحوّل جذري في تدريس القواعد: من التلقين إلى الاكتساب
في كل عام، يتخرّج آلاف الطلبة من مدارسنا بعد أن أمضوا أكثر من عشر سنوات في تعلّم اللغة الإنجليزية. ومع ذلك، لا تزال قدرتهم على استخدام اللغة في المواقف اليومية ضعيفة، بل محدودة في كثير من الأحيان.
وهنا يُطرح السؤال الجوهري:
لماذا لا يتمكّن العديد من طلابنا من التحدث أو التواصل باللغة الإنجليزية بطلاقة؟
هل الخلل في الطالب؟ أم في المنهاج؟ أم في المعلّم؟
في الواقع، تكمن المشكلة غالبًا في النهج التدريسي المستخدم، لا في اللغة نفسها.
نهج استنتاجي سائد… ولغة غائبة
لا تزال العديد من المدارس الأردنية تعتمد على ما يُعرف بالنهج الاستنتاجي (Deductive Approach) في تدريس القواعد، حيث يبدأ المعلّم بشرح القاعدة مباشرة، ثم يُكلَّف الطلبة بحلّ تمارين تطبيقية عليها.
ورغم سهولة هذا الأسلوب وسرعة تنفيذه، إلا أنه يُكرّس الحفظ ويُضعف التفكير التحليلي، إذ يُنتج طلبة قادرين على “حفظ القاعدة” لا على “استخدام اللغة”.
في المقابل، يشهد التعليم العالمي المعاصر توجهًا متزايدًا نحو النهج الاستقرائي (Inductive Approach)، وهو أسلوب يبدأ بعرض أمثلة حيّة واقعية للغة، تُحفّز الطالب على استنتاج القاعدة بنفسه من خلال الملاحظة والتحليل. هذا التدرّج ينمّي التفكير النقدي، ويعزز الفهم العميق، ويُسهم في ترسيخ اللغة لدى المتعلم بشكل دائم وفعّال.
من تعلّم القاعدة… إلى اكتساب اللغة
من الضروري التمييز بين “تعلّم القواعد” و*“اكتساب اللغة”*.
تعلّم القواعد عملية ذهنية تحليلية، أما الاكتساب فهو اندماج طبيعي للغة في تفكير الطالب وسلوكه اليومي.
النهج الاستنتاجي، مع الأسف، يُغفل هذه الحقيقة، إذ يركّز الطالب فيه على كلمات مفتاحية لحلّ الأسئلة، دون أن يطوّر حسًّا لغويًا حقيقيًا أو يُتقن استخدام اللغة بطريقة تلقائية وسلسة.
المعلّم هو حجر الزاوية
لا يمكن لأي إصلاح تربوي حقيقي أن يتحقق دون النهوض بدور المعلّم.
المعلّم هو المحرّك الفعلي للدرس، وهو المسؤول الأول عن تفعيل النهج التواصلي وتوظيف الاستراتيجيات الحديثة.
للأسف، كثيرٌ من معلمي اللغة الإنجليزية يعانون من ضعف في مهارات التواصل، نتيجة اعتمادهم على أساليب تقليدية هم أنفسهم تعلّموها بطريقة تلقينية، ويعيدون إنتاجها داخل الصف.
لذا، من المهم أن يمتلك المعلّم أدوات معرفية حديثة، وقدرة على تطبيق استراتيجيات مبنية على الاكتشاف والتفاعل والممارسة العملية.
دعوة إلى اعتماد النهج التواصلي في التدريس
النهج التواصلي في تدريس اللغة (Communicative Language Teaching - CLT) يُعدّ من أبرز الأساليب المعاصرة التي تُركّز على اللغة كوسيلة للتواصل الفعّال، وليس كمادة دراسية فحسب.
ويُعزَّز هذا النهج بمجموعة من الأساليب الداعمة، من أبرزها:
• النهج الاستقرائي في تدريس القواعد
• التعلّم السياقي (Contextualization)
• تنمية مهارات التواصل الشفهي والكتابي
• إدماج الدراما في تعليم اللغة
• أسلوب الكتّاب التشاركيين (Community of Writers)
كلها تُسهم في بناء بيئة تعليمية نابضة، تُعيد للغة الإنجليزية حضورها الحقيقي داخل الصف، وتُقرّبها من الحياة الواقعية.
تجديد فلسفة تعليم اللغة
إن العالم يتغيّر، والتعليم يجب أن يتغيّر معه.
ما كان فعّالًا قبل ثلاثين عامًا قد لا يكون مجديًا اليوم. لذا، نحن بحاجة إلى تجديد فلسفة تعليم اللغة الإنجليزية، على النحو الآتي:
• إعادة تأهيل المعلمين وفق المستجدات التربوية
• تطوير المناهج بما يُعزّز اللغة الحية لا النظرية
• الانتقال من التلقين إلى الممارسة والفهم السياقي العميق
فاللغة كائن حيّ؛ لا تُتعلّم بالتلقين، بل تُكتسَب بالممارسة، والتفكير، والتفاعل.
ولن نلمس أثرًا حقيقيًا في مخرجاتنا التعليمية ما لم نُغيّر الطريقة التي نُدرّس بها اللغة داخل صفوفنا.

كارول المجالي تتساءل: لماذا لا يتحدث طلابُنا الإنجليزية بطلاقة؟
د. كارول المجالي
اختصاصية مناهج وتدريس اللغة الإنجليزية وفق أحدث الأساليب التربوية، ومؤلفة مناهج تعليمية
كارول المجالي تتساءل: لماذا لا يتحدث طلابُنا الإنجليزية بطلاقة؟

د. كارول المجالي
اختصاصية مناهج وتدريس اللغة الإنجليزية وفق أحدث الأساليب التربوية، ومؤلفة مناهج تعليمية
اختصاصية مناهج وتدريس اللغة الإنجليزية وفق أحدث الأساليب التربوية، ومؤلفة مناهج تعليمية
مدار الساعة ـ