أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة تبليغات قضائية مقالات أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

حدادين يكتب: وراء الستار.. من يحرّض على الأردن ولماذا الآن؟


المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين

حدادين يكتب: وراء الستار.. من يحرّض على الأردن ولماذا الآن؟

مدار الساعة ـ

الاعتداءات التي طالت السفارات الأردنية في بعض الدول الغربية لا يمكن قراءتها كأحداث فردية أو عفوية، بل تبدو في كثير من جوانبها جزءًا من حملة منظمة تسعى لضرب صورة الأردن والإضرار بموقعه السياسي والدولي. فالدولة الأردنية، وعلى رأسها جلالة الملك، تمثل صوتًا متزنًا في القضايا الكبرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ما يجعلها عرضة لمحاولات التشويش من أطراف متعددة.

وراء هذه الاعتداءات تقف جملة من الأطراف المتقاطعة في المصالح، والمتضادة في الانتماء، لكنها تجتمع في رغبتها بتقويض دور الأردن السياسي والإعلامي في ملفات حساسة. أول هذه الجهات هي الحركات الراديكالية التي تنشط داخل الجاليات العربية في الغرب، والتي تجد في المؤسسات الدبلوماسية الأردنية "أهدافًا رمزية" للضغط الإعلامي والتعبير عن مواقفها المتطرفة، وهذه الحركات كثيرًا ما تستثمر المشاعر الجماهيرية في قضايا مثل العدوان على غزة لتوجيهها نحو أهداف لا علاقة لها بجوهر المعركة. فبدلًا من توجيه الغضب إلى المحتل أو الداعمين له، يتم تصويبه نحو سفارات دولة عربية لطالما كانت سندًا سياسيًا وإنسانيًا للقضية الفلسطينية. دوافع هذه الجهات لا تنبع من تحليل سياسي عميق بقدر ما تنطلق من منطق التجييش العاطفي والتحريض الآني، وغالبًا ما تُدار من غرف إعلامية ذات طابع فوضوي.

في المقابل، توجد أطراف ترى أن حضور الأردن ودوره في ملفات المنطقة يتقاطع مع رؤيتها أو يحد من نفوذها. هذه الأطراف تنظر إلى الدور الهاشمي تجاه القدس باعتباره عقبة أمام تحركاتها، وترى في استقرار الأردن السياسي تحديًا لمشاريعها. لذلك فهي لا تتردد في توظيف إعلامها، وبعض المجموعات الناشطة في الخارج، وحتى شخصيات مؤثرة على المنصات الاجتماعية، للتحريض ضد الأردن وتشويه صورته. من مصلحة هذه القوى أن يظهر الأردن وكأنه يتخلى عن دعم الفلسطينيين، أو أنه يتماشى مع أجندات غربية، فتغذي هذا الخطاب بخبث سياسي يحاول خلخلة الثقة بين الأردنيين وأشقائهم من جهة، وبين الأردنيين أنفسهم من جهة أخرى.

ولا يمكن تجاهل الدور الذي قد تلعبه بعض جماعات الضغط المرتبطة بإسرائيل أو المتحالفة معها في الغرب، والتي تسعى باستمرار لتشويه صورة الأردن، خصوصًا في ظل المواقف المتقدمة التي تبناها الملك عبد الله الثاني في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية على منابر دولية مرموقة. هذه الجماعات لا تحتاج إلى مجهود كبير في زمن منصات التواصل الاجتماعي، بل يكفيها تأجيج نقاشات مضللة، أو ترويج مقاطع مجتزأة، أو حتى دعم حملات احتجاجية ذات طابع شعبي لكنها موجهة سياسيًا بدقة.

ومن الجهات المحرضة أيضًا، أطراف داخلية تستغل أي تصعيد خارجي لتغذية حالة الاحتقان الداخلي، فتُضخّم الأحداث، وتبني عليها روايات تهدف إلى تقويض الثقة بالمؤسسات، وخلق انطباع عام بأن الدولة معزولة أو ضعيفة، أو أنها في موقع تناقض مع المزاج الشعبي العربي.

هذه الاعتداءات، على بساطتها الشكلية، ليست سوى أدوات في معركة أكبر يُراد منها الضغط على الأردن، وتشويه مواقفه، ودفعه إلى الاصطفاف أو الصمت أو الانكفاء. لكن من يعرف الأردن يدرك أن هذه المحاولات لن تنال من صلابته، ولا من تماسك موقفه. فالدولة التي بنت حضورها الإقليمي والدولي على الاعتدال والوضوح والثبات، لا تحتاج إلى تبرير مواقفها، بل إلى الاستمرار في الدفاع عنها بثقة. والحكمة السياسية الأردنية، التي لطالما تجاوزت ضغوطًا أكبر من هذه، قادرة على امتصاص هذا النوع من الاستهداف، ومواصلة أداء دورها المحوري، لا دفاعًا عن ذاتها فحسب، بل عن الحق الذي لطالما التزمت به، وفي مقدّمته فلسطين.

مدار الساعة ـ
story