أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

بني مصطفى تكتب: خنساء بالمعطف الأبيض

مدار الساعة,مناسبات أردنية,قطاع غزة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتبت هبة بني مصطفى:

في خضم حرب الإبادة التي تعصف بقطاع غزة، تتدفق آلاف القصص من بين الركام، تسردها أرواح أثقلها الحزن والهموم. لكن هذه القصة كانت الأشد وقعاً وإيلاماً، وبطلتها طبيبة الأطفال، الدكتورة آلاء النجار.
في يوم مشحون بالقسوة، وكأن الحروب اجتمعت فيه لتصب غضبها على الأبرياء، وضعت آلاء قبلة على جباه أطفالها الزكية، دون أن تدرك أنها كانت قبلة الوداع الأخيرة. همّت الطبيبة بالرحيل من منزلها تلبيةً لنداء الواجب، تاركةً خلفها فلذات أكبدها، لكنها كانت تعلم أن هناك من ينتظرها في المستشفى لإنقاذ حياته، كما ينتظرها أطفالها بين جدران المنزل بقلبٍ مفعمٍ بالشوق.
في أروقة المستشفى، ركضت بين الأسرة، تواسي هذا وتداوي جراح ذاك، محاوِلةً انتزاع الحياة من بين مخالب الموت. لكن فجأة، دوّت أصوات الصواريخ في الأفق، لتخطف منها فلذات أكبادها التسعة دفعة واحدة، دون أن تمنحها فرصة العناق الأخير.
وهنا، أصبح داخلها نداءان يتسابقان: نداء الأم التي يلهف ويعتصر قلبها خوفًا على أطفالها، ونداء الطبيبة التي تكافح لإنقاذ الأرواح. تسابق النداءان، لكن الصواريخ كانت أسرع من كل شيء؛ أسرع من مشرطها، وأسرع من نبض قلبها الذي ينزف ألماً.
لم تصرخ، ولم تنهَر، بل رفعت عينيها نحو السماء، وكأن صوت الخنساء يهمس إليها: "أنتِ الخنساء، لا أنا. أنتِ خنساء هذا العصر، وكل العصور، خنساء بمعطف أبيض سيظل شاهداً على امرأة قاومت بصمتها، وقاتلت بإصرارها، لتبقى مثالًا للكبرياء الذي لا ينهزم."
هي ليست مجرد طبيبة أو أم، بل هي روح شعب بأسره، قصة نُسجت من صبرٍ لا ينفد، ومن وجعٍ لا يُنسى. ستظل صدى مأساتها يتردد في الأفق، وستظل خنساء هذا العصر، شاهدة على زمن تجرد من الإنسانية.


مدار الساعة ـ