مدار الساعة - كتبت: دانا خليل الشلول - تمر جميع الدول بأحداث تحظى بحديث الشارع وتفاعل الرأي العام، وفقاً للحالة التي تعيشها الدولة والظروف التي تمر بها، وباتت مواقع التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأولى لنشر ومتابعة الأخبار والأحداث الجارية، في حين تشهد الأردن ظروف مختلفة واستثنائيّة نظراً للعديد من الأسباب والعوامل التي تُحيط بها، وأهمها وجودها على منطقة صفيحٍ ساخن؛ بالقرب من مناطق الحروب والنزاعات، ما يجعلها مستهدفةً في بعض الأوقات، وهذا ما نلاحظه في التفاعل على المنشورات المتعلّقة ببعض الشؤون السياسيّة الحساسة التي من شأنها الإخبار والإعلام بآخر المجريات في هذه الشؤون؛ لا سيّما التي تجري في الآونة الأخيرة، والتي تلقى أحياناً تفاعلاً سلبيّاً غريباً؛ كالتفاعل بالضحك والغضب تجاه قضايا وطنيّة حساسة ومصيريّة جادة، من حسابات بأسماءٍ وصورٍ نمطيّة غريبة ومن دولٍ ليست عربية حتى، تكون أحياناً من جنوب إفريقيا، أو آسيا والدول المجاورة لهما، ما جعل الأمر يبدو مثيراً للشك ويوحي بالغرابة، ويولد شعور بأنَّ هذا التفاعل مقصود وله أهداف تخريبيّة مشوبة.
الذباب الإلكتروني: هل يمكنه العبث بالرأي العام بأقل من 10 دولار؟

مدار الساعة ـ
فيما أصبح ما يُعرف بـ”الذباب الإلكتروني” أحد أبرز الأدوات المستخدمة في حروب المعلومات وتشكيل الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي، ومصطلح الذباب الإلكتروني يشير إلى شبكات من الحسابات الوهمية أو المُدارة مركزياً، تُستخدم لتنفيذ حملات هجومية أو تضليلية، تهدف إلى تشويه سمعة أفراد أو مؤسسات، أو إثارة البلبلة، أو التلاعب بالمشاعر العامة تجاه قضايا معينة، بحسب الخبير في الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاقتصاد الرقمي معاذ خليفات.
وأضاف خليفات، هذه الظاهرة تُصنّف ضمن ما يُعرف بـ”الهندسة الاجتماعية الرقمية”، حيث يتم استغلال الجهل التقني لدى شريحة واسعة من المستخدمين، إضافة إلى ميولهم العاطفية والانفعالية، لدفعهم إلى تبنّي مواقف أو ترديد معلومات دون التحقق منها، والخطير في هذه الظاهرة هو أن بعض الجهات تقوم بشراء تفاعلات وهمية (Reactions) أو تعليقات ( Comments) من خدمات تقدمها مواقع إلكترونية خارجية، وبكل سهولة تصل تكلفتها إلى أقل من 10 دولارات لكل ألف تفاعل، بهدف إظهار محتوى معيّن على أنه يحظى برفض شعبي أو جدل واسع، حيث أنَّ هذه التفاعلات تُنفذ من خلال “بوتات” أو “مزارع نقرات” موجودة غالباً في دول آسيوية أو مناطق منخفضة التكلفة.
وأوضح الخليفات أنَّه من الممكن تمييز الذباب الإلكتروني من خلال عدة مؤشرات: كتكرار التفاعل بنفس الرموز التعبيرية (مثل الغضب أو الضحك) بشكل غير منطقي، أو أن تكون أسماء الحسابات نمطية أو غريبة وغير مألوفة في سياق اللغة أو البلد، بالإضافة لعدم وجود تفاعل سابق للحسابات مع القضايا المحلية، وظهورها المفاجئ عند مواضيع معينة فقط، وأخيراً أن تكون التعليقات من هذه الحسابات مكررة أو موجهة من حيث اللغة والمصطلحات.
وأشار خليفات أن التعامل مع هجمات الذباب اٌلكتروني يجب أن يكون على مستويين: الفردي؛ من خلال الوعي الرقمي، وعدم الانجرار خلف التفاعلات المفتعلة أو اتخاذ موقف بناءً على “رأي عام مزيف”.، والمؤسسي؛ عبر الضغط على المنصات الرقمية لمكافحة النشاطات الآلية، والتعاون مع مختبرات تحليل البيانات لرصد هذا النوع من الحملات وحذفها إن أمكن، ونوّه خليفات إنَّ هذه الهجمات الإلكترونية ليست فقط تقنية، بل نفسية واجتماعية بالدرجة الأولى، مبيّناً أنَّ وعي المجتمعات هو خط الدفاع الأول ضد هذه الموجات.
من جهته، أوضح خبير الأمن السيبراني الدكتور معاوية ضلاعين أن هجمات الذباب الإلكتروني التي تأتي من حساباتٍ وهمية تديرها مؤسسات أو حكومات؛ وتهدف لضخ عدد هائل من الرسائل أو التغريدات؛ بهدف مهاجمة جهة معيّنة، أو معارضي جهة أو توجه بعينه، أو اغتيال شخصيّة، أو تضخيم أو تقليل أهمية مواضيع معيّنة حسب التوجيهات من خلال استخدام حسابات وهمية أو حسابات متعددة من نفس الشخص أو المجموعة، وبيّن أنَّ هذه الحسابات الوهميّة تمتاز بالسرعة في العمل، وإغراق الهاشتاقات (Hashtag flooding) بحيث لا يظهر إلا محتواهم، بالإضافة لمهاجمة الأصوات المعارضة بالتنمر أو نشر الإشاعات، ونشر معلومات مغلوطة أو التلاعب بالمشاعر (خوف، غضب، حماس).
وبيّن ضلاعين أنَّ هذه الحسابات من السهل جداً اكتشافها من خلال ملاحظة الحسابات التي تشن الهجوم؛ حيث لا يوجد فيها أي محتوى يعكس نشاط حقيقي أو آراء شخصية، كما أنهم يكررون نفس الردود ويدعمون بعضهم البعض، منوّها إلى أنَّ هناك أدوات تكنولوجية خاصة تمكنننا من اكتشافهم مثل؛ CrowdTangle، و Twitonomy، و Botometer الذي يمكنه كشف الحساب الشخصي وتحديد نوعه؛ منوّهاً أنَّ هذا الأدوات سهلة الاستخدام للأفراد والعامة ولا تحتاج للخبرة، بخلاف الأدوات والبرامج المعقدة الخاصة بالاستخدام الحكومي وتحتاج إلى ترخيص، موجهاً الأفراد إلى ضرورة إبلاغ الأفراد عن مثل هذا النوع من الحسابات داخل منصة التواصل نفسها.
وفي ذات السياق، أشار ضلاعين أنّه ينبغي التمييز بين مصطلح الذباب الإلكتروني واللجان الإلكترونيّة؛ فالذباب الإلكتروني هو مجرد فوضى رقمية وسريعة للهجوم والتضليل، أما الجان الإعلاميّة فهي عمل منظم وإعلامي قد يكون ذكي ومؤثر لجهات تمتلك أدواتها، وتكون من جيش أشخاص حقيقين وحسابات حقيقيّة، وقد يكون منهم مؤثرين أو مشهورين، ويبدؤون بالترويج للأفكار بشكل حقيقي ومنظم، والتفاعل معهم من حسابات حقيقية، منوّها إلى أنَّ اللجان الإلكترونيّة تهتم بها الحكومات والدول.
من جهةٍ أخرى، قال الخبير والمحلل السياسي عامر السبايلة إنَّ محاولة توجيه الرأي العام وخلق الانطباعات من خلال الذباب الإلكتروني تستخدم اليوم بشكلٍ واضح وملحوظ كأحد الأدوات لمحاولة حرف المسار عن قضيّة معينة، وتشتيت الرأي العام، أو خلق النطباعات، وأصبحت جزء أساسي عند مواجهة أي فكرة أو حدث، لكن في النهاية يبقى الحل الأسلم لمواجهة هذه الهجمات من خلال قوة الرواية التي تُقدّم وتماسكها، وغياب الفراغ فيها، وتمكين الجميع من الوصول إليها، والقدرة على التعبير عنها وعرضها لتكون صورة القضيّة واضحة؛ خاصةً عندما يكون الحديث عن القضايا الوطنيّة والتي تمس السلم المجتمعي.