رغم الإعلان الرسمي مؤخرًا عن ضبط خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن، ومتابعتها منذ عام 2021، لم يصدر عن الدولة أي قرار بإغلاق الحزب أو حله. هذا الصمت المدروس، في لحظة كان يمكن استثمارها سياسياً أو أمنياً ، يكشف عن طبيعة التعاطي الأردني مع هذا التنظيم العريق، الذي بقي لعقود جزءًا من المشهد السياسي والاجتماعي في المملكة.
السؤال المحوري هنا ليس لماذا لم تُحل الجماعة، بل كيف يمكن أن تستفيد الدولة من ورقة الإخوان المسلمين، ضمن لعبة التوازنات الداخلية والخارجية؟
الإخوان في الأردن يشكّلون نموذجًا مختلفًا عن أذرع التنظيم الدولي. فهم معترف بهم قانونيًا، ومشاركون في النقابات والبرلمان، وهذا بحد ذاته يخدم الدولة في تقديم نموذج “معارضة داخل النظام”، بعيدًا عن التصعيد الحاد. وجودهم – رغم خلافهم السياسي مع الدولة – يسمح بهامش ديمقراطي محسوب، ويعطي الدولة نقاطًا في ملف الحريات أمام الخارج.
في ذات الوقت، يُستخدم هذا الوجود كأداة ضغط داخلية؛ فمن خلاله يمكن قياس المزاج الشعبي، وتحجيم تيارات أكثر تشددًا، وإدارة مراكز قوى لا تتعارض جذريًا مع البنية السياسية.
الأردن، بعلاقاته المتشعبة إقليميًا، يدرك أن ورقة الإخوان قد تكون أداة مفيدة. فتنظيمهم يملك امتدادات في فلسطين، خصوصًا من خلال حركة حماس، وفي دول الجوار مثل مصر وسوريا، وحتى في الخليج. وبهذا، فإن بقاء التنظيم تحت السيطرة في الداخل، مع مراقبة دقيقة لأنشطته، يسمح باستخدامه كقناة غير مباشرة للتواصل، أو حتى للمساومة الدبلوماسية عند الحاجة.
الكشف عن خلية إرهابية تابعة للإخوان في هذا التوقيت – رغم رصدها منذ سنوات – لا يمكن فصله عن السياق السياسي المحلي والإقليمي. فالتوقيت السياسي قد يكون أنسب من التوقيت الأمني. هذا الإفصاح يعطي رسالة ضمنية: “نحن نعلم ونتابع… ولكن نختار متى نُعلن”، ما يدل على سياسة الاحتواء الذكي لا المواجهة المفتوحة.
ربما أكبر أدوات الدولة في هذا الملف هو “الغموض”، الذي يسمح لها بالتحرك بمرونة، وتحديد سقف المواجهة دون تصعيد، خصوصًا في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية دقيقة. فإغلاق الحزب مثلاً قد يُدخل البلاد في سجال قانوني وإعلامي، داخليًا وخارجيًا، دون مكاسب فعلية، بينما إبقاؤه “تحت السيطرة” يضمن رصدًا مباشرًا وتوجيهًا غير مباشر.
تبدو الدولة الأردنية كمن يُمسك بورقة الإخوان لا ليُقصيها تمامًا، بل ليستخدمها بذكاء عند الحاجة. وفي السياسة، لا يُقاس النفوذ فقط بعدد الخصوم، بل بمدى القدرة على إدارة حركتهم وتوجيههم. وهذا ما تفعله الدولة مع الإخوان: لا إلغاء كامل… ولا تمكين غير مشروط.