في إطار الحديث الوطني المتصاعد حول مستقبل الدولة الأردنية ومكانتها في عالم متغير، تتزايد الحاجة لإعادة التأكيد على المبادئ التي تُشكِّل أساس الاستقرار والنهوض. ويأتي هذا المقال مساهمة فكرية تعكس إيمانًا راسخًا بأنَّ أيَّ مسارٍ تحديثي حقيقي لا يكتمل دون ترسيخ العدالة كقيمة عملية وممارسة مؤسسية.
إنَّ الإشارة إلى التَّحدِّيات ليست انتقاصًا، بل دعوة جادة لتجويد المسار، وتأكيد على أنَّ الإصلاح ليسَ حدثًا عابرًا، بل مسار وطني طويل يحتاج إلى مشاركة الجميع.
في مسيرة بناء الدولة الحديثة، لا شيء يسبق العدالة.
ليست العدالة شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية يشعر بها المواطن حين يُنصف، لا حين يُسمع فقط، إنها معيار الثقة بين الناس ومؤسساتهم، وهي ما يمنح للإصلاح معناه الحقيقي على أرض الواقع.
حين تحدث جلالة الملك عبد الله الثاني-حفظه الله ورعاه- بمساراته الثلاثة، كان يُؤسس لمرحلة عنوانها الإنصاف والفرص المتساوية، هذهِ الرؤية الطموحة لا يُمكن أنْ تُترجم فعليًّا إلا إذا كانت العدالة حاضرة في القرارات، وفي تفاصيل حياة الناس اليومية، من التعليم إلى التوظيف، ومن الحقوق إلى المسؤوليات.
فالعدالة ليست في النتائج فقط، بل في تكافؤ البدايات، أنْ يَشعر كل مواطن أنه متساوٍ في فرص التَّقدُّم.
نحن نُدرك حجم التَّحدِّيات، ونعلم أنَّ الإصلاح ليسَ قرارًا لحظيًّا، بل مسار طويل يحتاج إلى الصبر والإرادة والتدرج؛ لكن ما لا يُحتمل التأجيل هو ترسيخ الإحساس العام بأنَّ العدالة هي القاعدة، لا الاستثناء.
فحين يَشعر الناس أنَّ التَّعب يُكافأ، والكفاءة تُقدَّر، والحقوق تُحترم، يُصبح الانتماء أعمق، والثقة أقوى، والهمّة أكبر، أما إذا غاب هذا الإحساس، فحتى أعظم الخُطط تظلّ مُعلّقة في الهواء، لذلك، لا بُدَّ أنْ يكون كل جهد إصلاحي متكاملًا، يتجاوز البناء المؤسسي إلى ترسيخ الشعور العام بأنَّ الجميع جزء من المسار، وأنْ لا أحد خارج المعادلة.
العدالة ليست ترفًا، بل ضرورة.
وبدونها، لا ننهض مهما كانت النوايا طيبة.