مدار الساعة - كتبت: زين صبحي الحر - “وإن خطفوكَ، فإنّا على العهدِ نمضي
وإن حرَقوكَ، ستبقى كشمسِ المضِيِّ”
لم يكن أحمد منصور مجرد صحفي، بل كان عينًا للحقيقة في زمنٍ يحاول فيه المحتل طمس كل شيء. كان يحمل كاميرته كمن يحمل سلاحًا، يوثق اللحظة، يلاحق التفاصيل الصغيرة، يبحث عن صوتٍ في وسط الضجيج. لكنه اليوم ليس هنا. اليوم، اسمه يضاف إلى قائمة طويلة من الشهداء الذين دفعوا أرواحهم ثمنًا لكشف الحقيقة.
حين اشتعلت النيران في جسده، لم يكن ذلك مجرد موتٍ عابر، بل رسالة أخرى من الاحتلال: “لا صوت يعلو فوق صوتنا، لا صورة تُنقل إلا ما نريد لها أن تُنقل.” لكنهم لم يفهموا أن الحقيقة لا تموت، حتى لو حاولوا حرقها.
كان يمكن أن يكون في مكانٍ آخر، في حياةٍ أخرى، لكنه اختار أن يكون هنا، حيث لا مجال للحياد، حيث لا يستطيع أحدٌ أن يغلق عينيه ويدّعي أنه لم يرَ شيئًا. اختار أن يواجه، أن يوثق، أن يكون شاهدًا. واليوم، أصبح هو الخبر، أصبح هو الصورة التي سيراها العالم.
أحمد لم يكن مجرد رقمٍ في قائمة الشهداء، بل قصة تُكتب بمدادٍ من دمٍ وكاميرا لم تفارق يده حتى اللحظة الأخيرة. كاميرته لم تكن مجرد أداة، بل عينٌ مفتوحةٌ على الحقيقة، تُسجل صرخات الأطفال، أنين الجرحى، ودموع الأمهات. كان يدرك أنه مستهدف، لكنه لم يتراجع، لأنه آمن أن الصورة أقوى من الرصاصة، وأن العدسة تستطيع أن تهزم البندقية.
لكنهم أخطأوا، كما يخطئون دائمًا. ظنوا أن إحراقه سينهي القصة، لم يعلموا أن كل شعلة التهمت جسده أشعلت داخلنا غضبًا لا ينطفئ. لم يعلموا أن صوته سيبقى، وأن الصورة التي التقطها ستعيش أكثر مما أرادوا لها.
في فلسطين، لا تموت الحقيقة، حتى لو احترقت، لأن من يؤمن بها لا يخشى النار