أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

القرالة يكتب: ارتدادات السوق الهابطة: سراب التعافي في قلب العاصفة


الدكتور معاذ القرالة
أستاذ التمويل والإستثمار في جامعة مؤتة

القرالة يكتب: ارتدادات السوق الهابطة: سراب التعافي في قلب العاصفة

الدكتور معاذ القرالة
الدكتور معاذ القرالة
أستاذ التمويل والإستثمار في جامعة مؤتة
مدار الساعة ـ

في خضم التقلبات الحادة التي تشهدها الأسواق المالية، تظهر أحيانًا تحركات صعودية مفاجئة تلمع كبريق أمل للمستثمرين، لكنها سرعان ما تتلاشى لتكشف عن استمرار الاتجاه الهبوطي. تُعرف هذه الظاهرة باسم "ارتدادات السوق الهابطة" (Bear Market Rallies)، والتي تُشبه سرابًا يخدع المتعجلين بالوهم، بينما تبقى العاصفة الاقتصادية تدور في الخلفية.

خلال فترات (الأسواق الهابطة)، قد تشهد المؤشرات المالية ارتدادات قوية تصل أحيانًا إلى أكثر من 20%، مما يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن السوق قد بلغ القاع وبدأ في التعافي. لكن التاريخ يُثبت أن هذه الارتدادات غالبًا ما تكون مؤقتة، وتسبق موجات هبوط أكثر حدة. على سبيل المثال، خلال أزمة فقاعة الدوت كوم (2000–2002)، سجل مؤشر (NASDAQ) ستة ارتدادات كبرى تراوحت بين 7% و 21%، لكنه انتهى بخسارة إجمالية تجاوزت 49%. أيضًا، في الأزمة المالية العالمية (2008–2009)، ارتفع مؤشر (S&P 500) خمس مرات بنسب وصلت إلى 24%، لكنه تراجع لاحقًا ليخسر أكثر من 56% من قيمته. هذه الأمثلة تؤكد أن الارتدادات القوية قد تكون مجرد أفخاخ في مسار الهبوط الطويل.
وراء هذه الظاهرة أسباب متشابكة، يأتي في مقدمتها العامل النفسي، حيث يندفع المستثمرون إلى الشراء عند أول بادرة صعود، بدافع التفاؤل أو الخوف من تفويت الفرصة. كما تلعب العوامل التقنية دورًا مهمًا، مثل إغلاق المراكز البيعية القصيرة (Short Covering) بعد هبوط حاد، أو تفاعل السوق مع أخبار إيجابية هامشية. لكن السبب الأعمق يكمن في غياب التحول الهيكلي في الاقتصاد الكلي أو النظام المالي، فبدون تحسن حقيقي في معدلات النمو أو استقرار السيولة أو تقييمات الأصول، تظل الارتدادات غير قادرة على تعزيز اتجاه صاعد مستدام.
لا يعني هذا أن كل صعود في السوق هو سراب، لكن الفصل بين الوهم والواقع يتطلب تحليلًا شموليًا. فالاتجاه العام لا يتغير إلا بوجود تحولات جوهرية في البيانات الاقتصادية (مثل الناتج المحلي الإجمالي والتضخم)، أو سياسات البنوك المركزية الفعالة، أو تدفقات سيولة قوية تدعم القطاعات الإنتاجية. كما يجب مراقبة التقييمات السوقية، مثل نسبة السعر إلى الأرباح (P/E)، ومقارنتها بالمستويات التاريخية لتجنب الانجرار وراء ارتفاعات مبالغ فيها.
في النهاية، تذكّر أن الأسواق الهابطة تُتقن فن صناعة الأوهام. فقبل اتخاذ أي قرار استثماري خلالها، اسأل نفسك: هل هذا الارتفاع يعكس تحسنًا حقيقيًا في الأساسيات، أم هو مجرد وميض عابر؟ الإجابة تكمن دائمًا في التفريق بين الارتداد التقني والتعافي الهيكلي، لأن الأول سرابٌ يختفي، بينما الثاني يُبنى على أسسٍ تتحمل العواصف.

مدار الساعة ـ