وجبل الله قلوبنا على حب الأوطان، فجعله من الإيمان لا الإحسان، حب الوطن شعورٌ متأصل في النفس، ليس مجرد انتماء جغرافي، بل ارتباط وجداني يعكس الولاء والالتزام تجاه الأرض والقيادة والمجتمع.
يأخذ هذا الحب أشكالًا متعددة، بينما يراه البعض التزامًا مطلقًا بدعم الدولة وقيادتها، يراه آخرون مسؤوليةً تتطلب النقد والإصلاح، ومع تباين هذه الرؤى، ينشأ جدل حول مفاهيم الولاء و"التسحيج" والتشكيك، مما يؤدي إلى انقسامات بين الأفراد حول الطريقة الصحيحة للتعبير عن حب الوطن، فكيف يمكن التوفيق بين الولاء والنقد دون الوقوع في فخ الاتهامات المتبادلة؟
البعض يرى أن الوطنية تعني الحب المطلق والدعم غير المشروط، خاصة عندما يرتبط الولاء بالملك كرمز للدولة واستقرارها، في المقابل، هناك من يعتقد أن حب الوطن الحقيقي لا يتعارض مع النقد البناء والسعي للإصلاح، بين هذين الاتجاهين، يظهر الجدل حول مفهوم "التسحيج"، حيث يُتهم البعض بالمبالغة في دعم القيادة دون تحليل، بينما يرى آخرون أن هذا الدعم تعبير صادق عن الوطنية، ومع ذلك، أصبح مصطلح "التسحيج" يُستخدم أحيانًا لتشويه صورة كل من يعبر عن ولائه، مما يخلق بيئة مشحونة بالشكوك.
وفي خضم هذا الجدل، يظهر مصطلح التسحيج كتهمة تطال كل من يُعبر عن دعمه العلني للوطن أو القيادة، دون النظر إلى دوافعه الحقيقية، لكن بالمقابل، هناك من يتخذ الوطنية غطاءً لمصالح شخصية، مستخدمًا الولاء كوسيلة للوصول إلى مكاسب خاصة.
وبين الطرفين، يقع المواطن العادي الذي يريد التعبير عن حبه لوطنه دون أن يُجر إلى صراع الاتهامات، حب الوطن لا يعني أن نُغلق أعيننا عن الأخطاء، كما أنه لا يعني أن نحوله إلى ساحة للانتقاد الهدّام، بل هو توازن بين الانتماء المسؤول والإصلاح الواعي، فالأوطان لا تُبنى "بالتطبيل"، ولا تُصلح بالهدم، بل تقوم على الحوار الصادق والعمل المخلص الذي يضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار.
ولأن الوطنية لا تُقاس بالشعارات فقط، فإن المعيار الحقيقي لحب الوطن يكمن في الأفعال التي تعكس الإخلاص والانتماء، فالدعم الإيجابي للقيادة يكون نابعًا من قناعة بضرورة الاستقرار، تمامًا كما أن النقد الهادف يجب أن يكون وسيلة للإصلاح وليس للهدم. لكن في خضم هذا التفاعل، تنشأ فجوة بين من يرون في التعبير عن الولاء نوعًا من الانتماء، وبين من يعتبرونه مبالغة تهدف لتحقيق مصالح شخصية، هذه الفجوة تعزز الانقسام، حيث يصبح كل رأي مختلف متهمًا إما بالتسحيج أو بالخيانة، مما يضعف روح التلاحم الوطني، لهذا، من الضروري أن يُفهم حب الوطن بعيدًا عن المزايدات، وأن يُبنى على الوعي والمسؤولية، بحيث يكون الحوار الوطني قائمًا على الاحترام المتبادل لا على تبادل الاتهامات.
ففي حين يرى البعض أن التعبير عن الولاء دليلٌ على الانتماء، يراه آخرون مجرد تملق يهدف لتحقيق مصالح شخصية، حيث يصبح كل رأي مختلف متهمًا إما بالتسحيج الأعمى أو بالخيانة المتخفية، لكن حب الوطن يجب أن يُفهم بعيدًا عن المزايدات، فالوطن لا ينهض بالتصفيق وحده، ولا بالانتقاد من أجل المعارضة فقط، بل ينهض بالعمل المشترك الذي يوازن بين الولاء والإصلاح لخدمة مصلحته العليا.
في نهاية الأمر، حب الوطن ليس مجرد موقف يُتخذ في النقاشات، بل هو التزام حقيقي يُترجم إلى أفعال تخدم مصلحته العليا، أنا أحب وطني لأنه وطني، الذي كبَّرني بين جنباته وعلمني أن الأرض أم، والسماء أب، وبأي طريقة كانت أنا إبنهما، لا مرجع ولا مهرب لي منهما إلا إليهما.